فهرس الكتاب
الصفحة 96 من 363

السابع: أن علامات النفاق كثيرة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" [1] فهذه علامات ظاهرة. فعُلم أن علامات النفاق لا تختصّ بحب شخص أو طائفة ولا بغضهم، إن كان ذلك من العلامات. ولا ريب أن من أحبَّ عليّاً لله بما يستحقه من المحبة لله، فذلك من الدليل على إيمانه، وكذلك من أحبّ الأنصار لأنهم نصروا الله ورسوله، فذلك من علامات إيمانه. ومن أبغض عليّاً والأنصار لما فيهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله، فهو منافق.

وأما من أحب الأنصار أو عليّاً أو غيرهم لأمر طبيعي، مثل قرابة بينهما، فهو كمحبة أبي طالب للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وذلك لا ينفعه عند الله. ومن غلا في الأنصار، أو في عليّ، أو في المسيح، أو في نبيّ، فأحبه واعتقد فيه فوق مرتبته، فإنه لم يحبه في الحقيقة، إنما أحبّ ما لا وجود له، كحب النصارى للمسيح، فإن المسيح أفضل من عليّ.

وهذه المحبة لا تنفعهم، فإنه إنما ينفع الحب لله، لا الحب مع الله.

قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} [البقرة: 165] .

ومن قَدَّر أنه سمع عن بعض الأنصار أمراً يوجب بغضه فأبغضه لذلك، كان ضالاًّ مخطئاً، ولم يكن منافقاً بذلك. وكذلك من اعتقد في بعض الصحابة اعتقاداً غير مطابق، وظن فيه أنه كان كافراً أو فاسقاً فأبغضه لذلك، كان جاهلاً ظالماً، ولم يكن منافقاً.

وهذا مما يُبَيَّن به كذب ما يُروى عن بعض الصحابة كجابر، أنه قال:"ما كنّا نعرف المنافقين على عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلا ببغضهم عليّ بن أبي طالب" [2] فإن هذا النفي من أظهر الأمور كذباً، لا يخفى بطلان هذا النفي على آحاد الناس، فضلاً عن أن يخفى مثل ذلك على جابر أو نحوه.

(1) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/ 12 (كتاب الإيمان، باب علامة المنافق) . 3/ 180 (كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد) ، مسلم 1/ 78 - 79 (كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق) من أربعة طرق وزاد في الطريقين الأخيرين: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم"، سنن الترمذي 4/ 130 (كتاب الإيمان، باب في علامة المنافق) . وقال الترمذي:"وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس وجابر".

(2) انظر: الموضوعات لابن الجوزي (1/ 370) ، تنزيه الشريعة لابن عراق (1/ 355) ، الفوائد المجموعة للشوكاني (367) . (م) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام