الثالث: أن يقال: لو ثبت أنه قاله، فمجرد قول أبي سعيد قول واحدٍ من الصحابة، وقول الصاحب إذا خالفه صاحبٌ آخر ليس بحجة باتفاق أهل العلم. وقد عُلم قدح كثير من الصحابة في عليٍّ وإنما احتج عليهم بالكتاب والسنة، لا بقول آخر من الصحابة.
الرابع: أنّا نعلم بالاضطرار أن عامة المنافقين لم يكن ما يُعرفون به من لحن القول هو بغض عليّ، فتفسير القرآن بهذا فرية ظاهرة.
الخامس: أن عليّاً لم يكن أعظم معاداة للكفّار والمنافقين من عمر، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذّون منه كما يتأذّون من عمر، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذّون منه إلا وكان بغضهم لعمر أشد.
السادس: أن في الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار" [1] . وقال: "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر" [2] . فكان معرفة المنافقين في لحنهم ببغض الأنصار أولى.
فإن هذه الأحاديث أصح مما يروي عن عليّ، أنه قال:"إنه لعهد النبيّ الأميّ إليّ أنه لا يُحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق". فإن هذا من أفراد مسلم، وهو من رواية عديّ بن ثابت عن زرّ بن حُبيش عن علي [3] ، والبخاري أعرض عن هذا الحديث، بخلاف أحاديث الأنصار، فإنها مما اتفق عليه أهل الصحيح كلهم: البخاري وغيره. وأهل العلم يعلمون يقيناً أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قاله، وحديث عليّ قد شك فيه بعضهم.
(1) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 5/ 32 (كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار) ، مسلم 1/ 85 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار ... ) ، المسند (ط. الحلبي) 3/ 130، 134، 249.
(2) الحديث عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهم في: مسلم 1/ 86 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار ... ) ، سنن الترمذي 5/ 383 (كتاب المناقب، باب في فضل الأنصار وقريش) ، المسند (ط. المعارف) 4/ 293، 18/ 114 وفي مواضع أخرى في المسند.
(3) الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في: مسلم 1/ 86 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان ... ) ، سنن الترمذي 5/ 306 (كتاب المناقب، باب مناقب علي) ، سنن ابن ماجه 1/ 42 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله ... ، فضل علي ... ) ، المسند (ط. المعارف) 2/ 57. وهو في مواضع أخرى في المسند.