فهرس الكتاب
الصفحة 82 من 363

فيقال في الجواب: لم يكن المقصود إجابة الدعاء؛ فإن دعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وحده كافٍ، ولو كان المراد بمن يدعوه معه أن يستجاب دعاؤه، لدعا المؤمنين كلهم ودعا بهم، كما كان يستسقي بهم، وكما كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، وكان يقول:"وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم؟" [1] .

ومن المعلوم أن هؤلاء، وإن كانوا مجابين، فكثرة الدعاء أبلغ في الإجابة. لكن لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل. ونحن نعلم بالاضطرار أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لو دعا أبا بكر وعمر وعثمان، وطلحة والزبير، وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم للمباهلة، لكانوا من أعظم الناس استجابة لأمره، وكان دعاء هؤلاء وغيرهم أبلغ في إجابة الدعاة، لكن لم يأمره الله سبحانه بأخذه معه، لأن ذلك لا يحصل به المقصود.

فإن المقصود أن أولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعاً، كأبنائهم ونسائهم ورجالهم الذين هم أقرب الناس إليهم. فلو دعا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قوماً أجانب لأتى أولئك بأجانب، ولم يكن يشتد عليه نزول البهلة بأولئك الأجانب، كما يشتد عليهم نزولها بالأقربين إليهم، فإن طبع البشر يخاف على أقربيه ما لا يخاف على الأجانب، فأمر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يدعو قرابته، وأن يدعو أولئك قرابتهم.

والناس عند المقابلة تقول كل طائفة للأخرى: ارهنوا عندنا أبناءكم ونساءكم، فلو رهنت إحدى الطائفتين أجنبياً لم يرض أولئك، كما أنه لو دعا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الأجانب لم

(1) الحديث عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في: البخاري 4/ 36 - 37 (كتاب الجهاد، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب) ونصه:"عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"؟"

والحديث بألفاظ مقاربة في:

سنن النسائي 6/ 37 - 38 (كتاب الجهاد، باب الاستنصار بالضعيف) ، المسند (ط. المعارف) 3/ 51 وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه:"إسناده ضعيف لانقطاعه".

وقال ابن حجر في"فتح الباري"6/ 88 - 89 عن رواية البخاري:"ثم إن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعباً لم يدرك زمان هذا القول، لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه، وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي .... وكذا أخرجه هو والنسائي)."

وجاء حديث آخر بألفاظ مقاربة عن أبي الدرداء رضي الله عنه: سنن أبي داود 3/ 32 (كتاب الجهاد، باب الانتصار برُذُل الخيل والضعفة) ، المسند (ط. الحلبي) 5/ 198.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام