عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3] . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، وبالولاية لعليٍّ من بعدي. ثم قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله" [1] ."
والجواب من وجوه: أحدها: أن المستدلّ عليه بيان صحة الحديث. ومجرد عزوه إلى رواية أبي نُعيم لا تفيد الصحة باتفاق الناس: علماء السنة والشيعة؛ فإن أبا نعيم روى كثيراً من الأحاديث التي هي ضعيفة، بل موضوعة، باتفاق علماء أهل الحديث: السنة والشيعة. وهو وإن كان حافظاً كثير الحديث واسع الرواية، لكن روى، كما عادة المحدِّثين أمثاله يروون جميع ما في الباب، لأجل المعرفة بذلك، وإن كان لا يُحتج من ذلك إلا ببعضه.
والناس في مصنّفاتهم: منهم من لا يروي عمَّن يعلم أنه يكذب، مثل مالك، وشُعبة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل؛ فإن هؤلاء لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم، ولا يروون حديثاً يعلمون أنه عن كذّاب، فلا يروون أحاديث الكذّابين الذين يُعرفون بتعمد الكذب، لكن قد يتفق فيما يروونه ما يكون صاحبه أخطأ فيه.
وقد يروي الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم، لاتهام رواتها بسوء الحفظ ونحو ذلك، ليُعتبر بها ويُستشهد بها، فإنه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد له أنه محفوظ، وقد يكون له ما يشهد بأنه خطأ، وقد يكون صاحبها كذّبها في الباطن، ليس مشهوراً بالكذب، بل يروي كثيراً من الصدق، فيُروى حديثه.
وليس كل ما رواه الفاسق يكون كذباً، بل يجب التبيّن في خبره كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الآية، فيُروى لتنظر سائر الشواهد: هل تدل على الصدق أو الكذب؟.
وكثير من المصنِّفين يعزّ عليه تمييز ذلك على وجهه، بل يعجز عن ذلك، فيروي ما سمعه كما سمعه، والدّرْكُ على غيره لا عليه وأهل العلم ينظرون في ذلك وفي رجاله وإسناده.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات. وهذا
(1) حديث الموالاة صحيح، ولكن الزيادة:"وانصر من نصره، واخذل من خذله"لا أساس لها من الصحة، وقد تكلم العلامة الألباني حول أحاديث الموالاة وصححها في"سلسلة الأحاديث الصحيحة"ج 4 ص 330 - 344. وقال عن تلك الزيادة: ففي ثبوته عندي وقفة، لعدم ورود ما يجبر ضعفه. (م) .