فهرس الكتاب
الصفحة 35 من 363

وإلا فمجرد قول القائل:"رواه فلان"لا يَحْتَج به: لا أهل السنة ولا الشيعة، وليس في المسلمين من يحتاج بكل حديث رواه كل مصنف، فكل حديث يحتج به نطالبه من أول مقام بصحته.

ومجرد عزوه إلى رواية الثعلبي ونحوه ليس دليلاً على صحته باتفاق أهل العلم بالنقل. ولهذا لم يروه أحد من علماء الحديث في شيء من كتبهم التي ترجع الناس إليها في الحديث، لا في الصحاح ولا السنن ولا المسانيد ولا غير ذلك، لأن كذب مثل هذا لا يخفى على من له أدنى معرفة بالحديث.

وإنما هذا عند أهل العلم بمنزلة ظن من يظن من العامة - وبعض من يدخل في غمار الفقهاء - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان على أحد المذاهب الأربعة، وأن أبا حنيفة ونحوه كانوا من قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو كما يظن طائفة من التركمان أن حمزة له مغازٍ عظيمة وينقلونها بينهم، والعلماء متفقون على أنه لم يشهد إلا بدراً وأُحداً وقُتل يوم أحد، ومثل ما يظن كثير من الناس أن في مقابر دمشق من أزواجالنبي صلّى الله عليه وسلّم أم سلمة وغيرها، ومن أصحابه أُبَيّ بن كعب، وأويس القُرني وغيرهما.

وأهل العلم يعلمون أن أحداً من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقدم دمشق، ولكن في الشام أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري، وكان أهل الشام يسمونها أم سلمة، فظن الجهّال أنها أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأبي بن كعب مات بالمدينة، وأويس تابعي لم يقدم الشام.

ومثل من يظن من الجهّال أن قبر عليّ بباطن النجف. وأهل العلم - بالكوفة وغيرها - يعلمون بطلان هذا، ويعلمون أن عليّاً ومعاوية وعمرو بن العاص كل منهم دفن في قصر الإمارة ببلده، خوفاً عيه من الخوارج أن ينبشوه؛ فإنهم كانوا تحالفوا على قتل الثلاثة، فقتلوا عليّاً وجرحوا معاوية.

وكان عمرو بن العاص قد استخلف رجلاً يقال له خارجة، فضربه القاتل يظنه عَمْرًا فقتله، فتبين أنه خارجة، فقال: أردت عمراً وأراد الله خارجة، فصار مثلاً.

ومثل هذا كثير مما يظنه كثير من الجهّال. وأهل العلم بالمنقولات يعلمون خلاف ذلك.

الوجه الثاني: أن نقول: في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه كذب من وجوه كثيرة؛ فإن فيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لَمّا كان بغدير يدعى خُمّاً نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام