فهرس الكتاب
الصفحة 242 من 363

الله.

وهكذا جاء في غير هذا الحديث، كما في صحيح مسلم عن جابر في حجّة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: "قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون"؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السبّابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس: "اللهم اشهد" ثلاث مرات [1] .

وأما قوله:"وعترتي أهل بيتي. وأنها لن يفترقا حتى يردا على الحوض"فهذا رواه الترمذي [2] . وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعّفه، وضعّفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا: لا يصح. وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة. قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره.

لكن أهل البيت لم يتفقدوا - ولله الحمد - على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرّؤون المنزّهون عن التدنس بشيء منه.

وأما قوله:"مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح"فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يُعتمد عليها، فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطّاب الليل اللذين يروون الموضوعات فهذا مما يزيده وَهْناً.

الوجه الثاني: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال عن عثرته: إنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وهو الصادق المصدوق، فيدل على أن إجماع العترة حجة. وهذا قول طائفة من أصحابنا، وذكره القاضي في"المعتمد". لكن العترة هم بنو هاشم كلهم: ولد العباس، وولد عليّ، وولد الحارث بن عبد المطلب، وسائر بني أبي طالب وغيرهم. وعليُّ وحده ليس هو العترة، وسيد العترة هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

يبيّن ذلك أن علماء العترة - كابن عباس وغيره - لم يكونوا يوجبون اتّباع عليّ في كل ما يقوله، ولا كان عليّ يوجب على الناس طاعته في كل ما يُفتي به، ولا عُرف أن أحداً من أئمة

(1) سبق هذا الحديث مختصراً فيما مضى ص 23.

(2) سبق أن علقت على هذا الحديث فيما مضى. وهذه الرواية ألفاظها قريبة من رواية الترمذي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب". وذكر الترمذي حديثاً آخر 5/ 327 - 328 عن جابر بن سعيد ألفاظه مقاربة. وقال:"وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد. هذا حديث غريب حسن من هذا الوجه. وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام