فهرس الكتاب
الصفحة 236 من 363

يجزيه لها، فإنه يحتاج أن يعطيه مجازاة له على ذلك. وهذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله يتزكّى، فإنه في معاملته للناس يكافئهم دائماً ويعاونهم ويجازيهم، فحين أعطاه الله ماله يتزكى لم يكن لأحد عنده من نعمة تجزى.

وفيه أيضاً ما يبين أن التفضيل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجبات من المعاوضات. كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] ، ومن تكون عليه ديون وفروض وغير ذلك أدّاها، ولا يقدّم الصدقة على قضاء هذه الواجبات، ولو فعل ذلك: فهل ترد صدقته؟ على قولين معروفين للفقهاء.

وهذه الآية يحتج بها من تُرد صدقته، لأن الله إنما أثنى على من آتى ماله يتزكّى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه أن يجزيها قبل أن يؤتي ماله يتزكّى، فأما إذا آتى ماله يتزكّى قبل أن يجزيها لم يكن ممدوحاً، فيكون عمله مردوداً، لقوله عليه الصلاة والسلام:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" [1] .

الثالث: أنه قد صح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال:"ما نفعني مال كمال أبي بكر"، وقال:"إنّ أمَنّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر"، بخلاف عليّ رضي الله عنه فإنه لم يذكر عنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم شيئاً من إنفاق المال، وقد عُرف أن أبا بكر اشترى سبعة من المعذّبين في الله في أول الإسلام، وفعل ذلك ابتغاءً لوجه ربّه الأعلى، لم يفعل ذلك كما فعله أبو طالب، الذي أعان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأجل نسبه وقرابته، لا لأجل الله تعالى ولا تقرباً إليه.

وإن كان"الأتقى"اسم جنس، فلا ريب أنه يجب أن يدخل فيه أتقى الأمة، والصحابة خير القرون، فأتقاها أتقى الأمة، وأتقى الأمة إما أبو بكر وإما عليّ وإما غيرهما. والثالث منتفٍ بالإجماع، وعليّ إن قيل: إنه يدخل في هذا النوع، لكونه بعد أن صار له مال آتى ماله يتزكّى، فيقال: أبو بكر فعل ذلك في أول الإسلام وقت الحاجة إليه، فيكون أكمل في الوصف، الذي يكون صاحبه هو الأتقى.

(1) جاء الحديث عن عائشة بهذا اللفظ أو بلفظ:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ". انظر: البخاري 3/ 69 (كتاب البيوع، باب النجش) ، 3/ 184 (كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فهو مردود) ، 9/ 107 (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ ... ) ، مسلم 3/ 1343 - 1344 (كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور) سنن أبي داود 4/ 280 (كتاب السنة، باب في لزوم السنة) . والحديث في سنن ابن ماجه ومسند أحمد.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام