معيط، وهو لو استخلف رجلاً لم يجب أن يكون معصوماً، وليس هو بعد موته شهيداً عليه، ولا مكلَّفاً بردّه عما يفعله، بخلاف الاستخلاف في الحياة.
الوجه الثالث: أن يُقال الاستخلاف في الحياة واجبٌ على كل وليّ أمر؛ فإن كل وليّ أمر - رسولاً كان أو إماماً - عليه أن يستخلف فيما غاب عنه من الأمور، فلابد له من إقامة الأمر: إما: بنفسه، وإما بنائبه. فما شهده من الأمر أمكنه أن يقيمه بنفسه، وأما ما غاب عنه فلا يمكنه إقامته إلا بخليفة يستخلفه عليه، فيولّي على مَنْ غاب عنه مِن رعيته مَنْ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويأخذ منهم الحقوق، ويقيم فيهم الحدود، ويعدل بينهم في الأحكام، كما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يستخلف في حياته على كل ما غاب عنه، فيولِّي الأمراء على السرايا: يصلّون بهم، ويجاهدون بهم، ويسوسونهم، ويؤمِّر أمراء على الأمصار، كما أمَّر عتاب بن أسيد على مكة، وأمَّر خالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد بن العاص وأبا سفيان بن حرب ومعاذاً وأبا موسى على قرى عُرينة وعلى نجران وعلى اليمن، وكما كان يستعمل عمالاً على الصدقةن فيقبضونها ممن تجب عليه، ويعطونها لمن تحلّ له، كما استعمل غير واحد.
وكان يستخلف في إقامة الحدود، كما قال لأنيس: "يا أنيس اغد على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" [1] فغدا عليها فاعترفت فرجمها.
وكان يستخلف على الحج، كما استخلف أبا بكر على إقامة الحج عام تسع بعد غزوة تبوك، وكان عليّ من جملة رعية أبي بكر: يصلّي خلفه، ويأتمر بأمره، وذلك بعد غزوة تبوك.
وكما استخلف على المدينة مراتٍ كثيرة، فإنه كان كلما خرج في غزاة استخلف. ولما حج واعتمر استخلف، فاستخلف في غزوة بدر، وبني المصطلق، وغزوة الفتح، واستخلف في غزوة الحديبية، وفي غزوة القضاء، وحجة الوداع، وغير ذلك.
وإذا كان الاستخلاف في الحياة واجباً على متولي الأمر وإن لم يكن نبيّاً، مع أنه لا يجب عليه الاستخلاف بعد موته، لكون الاستخلاف في الحياة أمراً ضرورياً لا يؤدى الواجب إلا
(1) الحديث عن زيد بن خالد وأبي هريرة رضي الله عنهما في البخاري 3/ 102 (كتاب الوكالة، باب الوكالة في الحدود) ، 8/ 167 - 168 (كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا) ، 8/ 172 - 173 (كتاب الحدود، باب إذا رمى امرأته وامرأة غيره بالزنا .. ) ، 8/ 176 (كتاب الحدود، باب هل يأمر الإمام رجلاً .. ) ، سنن الترمذي 2/ 441، 443 (كتاب الحدود، باب ما جاء في التلقين في الحد، باب ما جاء في الرجم على الثيب) .