فالمتكلم والمفسّر والمؤرخ ونحوهم، لو ادّعى أحدهم نقلاً مجرداً بلا إسناد ثابت لم يُعتمد عليه، فكيف إذا ادّعى إجماعاً؟!.
الوجه الثالث: أن يقال: هؤلاء المفسرون الذين نقل من كتبهم، هم - ومن هم أعلم منهم - قد نقلوا ما يناقض هذا الإجماع المدَّعَى، والثعلبي قد نقل في تفسيره أن ابن عباس يقول: نزلت في أبي بكر. ونقل عن عبد الملك: قال: سألت أبا جعفر، قال: هم المؤمنون. قلت: فإن ناساً يقولون: هو عليّ. قال: فعليٌّ من الذين آمنوا. وعن الضحاك مثله.
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثنا معاوية بن صالح، حدثنا عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه، قال:"كل من آمن فقد تولّى الله ورسوله والذين آمنوا". قال: وحدثنا أبو سعيد الأشجّ، عن المحاربيّ، عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سألت أبا جعفر محمد بن عليّ عن هذه الآية، فقال:"هم الذين آمنوا". قلت: نزلت في عليّ؟ قال: عليٌّ من الذين آمنوا. وعن السديّ مثله.
الوجه الرابع: أنّا نعفيه من الإجماع، ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد صحيح. وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبي إسناده ضعيف، فيه رجال متهمون. وأما نقل ابن المغازلي الواسطي [1] فأضعف وأضعف، فإن هذا قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفي أنه كذب على من له أدنى معرفة بالحديث، والمطالبة بإسناد يتناول هذا وهذا.
الوجه الخامس: أن يُقال: لو كان المراد بالآية أن يؤتي الزكاة حال ركوعه، كما يزعمون أن عليّاً تصدق بخاتمه في الصلاة، لوجب أن يكون ذلك شرطاً في الموالاة، وأن لا يتولى المسلمون إلا عليّاً وحده، فلا يُتَوَلّى الحسن ولا الحسين ولا سائر بني هاشم. وهذا خلاف إجماع
(1) هو أبو الحسن - أو أبو محمد - علي بن محمد بن محمد بن الطيب الجُلاّبي الشافعي الواسطي ثم البغدادي الشهير بابن المغازلي المتوفي سنة 483. ولد ببلدة واسط ثم انتقل في أواخر عمره إلى بغداد، كان شافعياً في الفقه وأشعرياً في أصول الدين، وسمي بابن المغازلي لأن أحد أسلافه كان نزيلاً بمحلة المغازليين في واسط. ذكر السمعاني في الأنساب أن من مؤلفاته"ذيل تاريخ واسط"وقال إنه غرق ببغداد سنة 483 وحمل ميتاً إلى واسط ودفن بها.
ولم أجد له ترجمة إلا في: الأنساب للسمعاني (ص 146) (ط. مرجليوث) 3/ 446 (ط. حيدر آباد 1383/ 1963) ، تاج العروس للزبيدي (1/ 186) . تبصير المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر (1/ 380) (ط. 1383/ 1964) ، مقدمة كتاب مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب لابن المغازي (ص 3 - 29) تحقيق محمد باقر البهبودي، نشر دار الأضواء، بيروت 1403/ 1983.