فهرس الكتاب
الصفحة 166 من 363

أشاروا عليه بأن يعتذر ويكذب، كما اعتذر غيره من المنافقين وكذبوا. وهذا ثابت في الصحاح والمساند وكتب التفسير والسير، والناس متفقون عليه [1] .

ومعلوم أنه لم يكن لعليّ اختصاص في هذه القصة، بل قال كعب بن مالك:"فقام إليَّ طلحة يهرول فعانقني، والله ما قام إليّ من المهاجرين غيره"فكان كعب لا ينساها لطلحة. وإذا كان كذلك بطل حملها على عليّ وحده.

الوجه الرابع: أن هذه الآية نزلت في هذه القصة، ولم يكن أحد يُقال إنه معصوم، لا عليّ ولا غيره. فعُلم أن الله أراد (مع الصادقين) ولم يشترط كونه معصوماً.

الخامس: أنه قال: (مع الصادقين) وهذه صيغة جمع، وعليٌّ واحد، فلا يكون هو المراد وحده.

السادس: أن قوله تعالى: (مع الصادقين) إما أن يُراد: كونوا معهم في الصدق وتوابعه، فاصدقوا كما يصدق الصادقون، ولا تكونوا مع الكاذبين. كما في قوله: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] ، وقوله: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] ، وكما في قوله: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146] .

وإما أن يُراد به: كونوا مع الصادقين في كل شيء، وإن لم يتعلق بالصدق.

والثاني باطل؛ فإن الإنسان لا يجب عليه أن يكون مع الصادقين في المباحات، كالأكل والشرب واللباس ونحو ذلك. فإذا كان الأول هو الصحيح، فليس في هذا أمر بالكون مع شخص معيّن، بل المقصود: اصدقوا ولا تكذبوا.

كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح:"عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البرّ، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقاً. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذّاباً".

وهذا كما يُقال: كن مع المؤمنين، كن مع الأبرار. أي ادخل معهم في هذا الوصف وجامعهم عليه، ليس المراد: أنك مأمور بطاعتهم في كل شيء.

(1) انظر تفسير ابن كثير للآيتين 118، 119 من سورة التوبة، وما ذكره من الروايات المختلفة لحديث كعب بن مالك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام