فهرس الكتاب
الصفحة 157 من 363

شهد به إلا من جهة المشهود له.

وأما أهل الكتاب فغذا شهدوا بما تواتر عندهم عن الأنبياء وبما علم صدقه كانت تلك شهادة نافعة، كما لو كان الأنبياء موجودين وشهدوا له. لأن ما ثبت نقله عنهم بالتواتر وغيره كان بمنزلة شهادتهم أنفسهم.

ولهذا نحن نشهد على الأمم بما علمناه من جهة نبيّنا، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] .

فهذا الجاهل الذي جعل هذه فضيلة لعليّ قَدَح بها فيه وفي النبي الذي صار به عليّ من المؤمنين، وفي الأدلة الدالة على الإسلام. ولا يقول هذا إلا زنديق أو جاهل مفرط في الجهل.

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

الخامس: أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر الاستشهاد بأهل الكتاب في غير آية، كقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ} [فصلت: 52] ، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10] أفترى عليّاً هو من بني إسرائيل؟!.

وقال تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} [يونس: 94] ، فهل كان عليّ من الذين يقرؤون الكتاب من قبله.

وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم} [يوسف: 109] ، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] فهل أهل الذكر الذين يسألونهم هل أرسل الله إليهم رجالاً هم علي بن أبي طالب؟!.

السادس: أنه لو قُدِّر أن عليّاً هو الشاهد، لم يلزم أن يكون أفضل من غيره، كما أن أهل الكتاب الذين يشهدون بذلك، مثل عبد الله بن سلام وسلمان وكعب الأحبار وغيرهم، ليسوا أفضل من السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار، كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وجعفر وغيرهم [1] .

(1) ذكر الطبري في تفسيره (ط. المعارف) 16/ 500 - 507 أنه على قراءة"ومَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتابِ"يكون المعنى:"والذين عندهم علم الكتاب، أي الكتب التي نزلتَ قبلَ القرآنَ، كالتوراة والإنجيل، وعلى هذه القراءة فسّر ذلك المفسرون"ثم أورد آثاراً (20535 - 20541) تقول إنه عبد الله بن سلام وذكر آثاراً أخرى فيها أنهم ناس من أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري.

وقال ابن كثير في تفسيره للآية:"... قيل: نزلت في عبد الله بن سلام، قاله مجاهد وهذا القول غريب، لأن هذه الآية مكية، وعبد الله بن سلام إنما أسلم في أول مقدم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة، والأظهر في هذا ما قاله العوفي عن ابن عباس قال: هم من اليهود والنصارى"وانظر سائر كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره للآية:"قال القاضي أبو بكر بن العربي: أما من قال: إنه عليّ، فعوّل على أحد وجهين: إما لأنه عنده أعلم المؤمنين، وليس كذلك، بل أبو بكر وعمر وعثمان أعلم منه، ولقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: أنا مدينة العلم وعليّ بابها، وهو حديث باطل".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام