القرآن بموافقته فيما يراه، وتارة يتبيّن له الحق في خلاف ما رآه فيرجع عنه.
وأما أبو بكر فلم يُعرف أنه أَنْكَرَ عليه شيئاً [1] ، ولا كان أيضاً يتقدم في شيء، اللهم إلا لما تنازع هو وعمر فيمن يولّي من بني تميم، حتى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} الآية [الحجرات: 2] ، وليس تأذّي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك بأكثر من تأذّيه في قصة فاطمة.
وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 53] . وقد أنزل الله تعالى في عليّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] لَمّا صلّى فقرأ وخَلَط [2] .
وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:"وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً"لما قال له ولفاطمة:"ألا"
(1) أي لم يعرف أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنكر على أبي بكر رضي الله عنه شيئاً.
(2) ذكر ابن كثير في تفسيره لأول آية 43 من سورة النساء حدثنا عن ابن أبي حاتم - وساق سنده - عن علي بن أبي طالب، قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدّموا فلاناً. قال: فقرأ: قل يا أيها الكافرون، ما أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون. فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} . قال ابن كثير:"هكذا رواه ابن أبي حاتم، وكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن عبد الرحمن الدشتكي به، وقال: حسن صحيح".
ثم ذكر ابن كثير حديثاً آخر رواه ابن جرير الطبري جاء فيه أن الذي صلى بهم هو عبد الرحمن بن عوف، ثم قال ابن كثير:"وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث الثوري به".
وذكر ابن كثير حديثاً ثالثاً رواه ابن جرير الطبري وفيه أن الذي صلى إماماً هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
كما ذكر حديثاً رابعاً رواه ابن جرير فيه أن الإمام هو عبد الرحمن بن عوف واختلفت ألفاظه، عن الحديث الأول الذي رواه ابن أبي حاتم قليلاً.
انظر تفسير الطبري (ط. المعارف) 8/ 376 (الآثار 9524، 9525) . والحديث في: سنن الترمذي 4/ 305 (كتاب تفسير القرآن، سورة النساء) وهو عن ابن أبي طاب وفيه ..
فأخذت الخمر منا وحرت الصلاة فقدَّموني فقرأت ... الحديث، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب صحيح".
وأما حديث عليّ في سنن أبي داود فهو فيها 3/ 445 (كتاب الأشربة، باب في تحريم الخمر) وفيه: أن رجلاً من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف، فسقاهما قبل أن تحرّم الخمر، فأمهم عليّ في المغرب فقرأ ... إلخ.