في حق أبي بكر قط.
وأيضاً فعليّ لم يكن يدخل مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الأمور العامة كما كان يدخل معه أبو بكر، مثل المشاورة في وريته وحروبه وإعطائه وغير ذلك، فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مثل الوزيرين شاورهما في أسرى بدر ما يصنع بهم، وشاورهما في وفد بني تميم لمن يولِّي عليهم، وشاورهما في غير ذلك من الأمور العامة يخصّهما بالشورى.
وفي الصحيحين عن عليّ أن عمر لَمّا مات قال له"والله إني لأرجو أن يحشرك الله مع صاحبيك؛ فإني كنت كثيراً ما أسمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:"دخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر"."
وكان يشاور أبا بكر بأمور حروبه يخصّه، كما شاوره في قصة الإفك، كما استشار أسامة بن زيد، وكما سأل بريرة. وهذا أمر يخصه، فإنه لما اشتبه عليه أمر عائشة رضي الله عنها، وتردد هل يطلقها لما بلغه عنها أم يمسكها، صار يسأل عنها بريرة لتخبره بباطن أمرها، وياشور فيها عليّاً أيمسكها أم يطلقها؟ فقال له أسامة: أهلك ولا نعلم إلا خيراً، وقال عليّ: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تصدقك. ومع هذا فنزل القرآن ببراءتها وإمساكها، موافقة لما أشار به أسامة بن زيد حب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم [1] ، وكان عمر يدخل في مثل هذه الشورى، ويتكلم مع نسائه فيما يخص النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، حتى قالت له أم سلمة: يا عمر لقد دخلت في كل شيء حتى دخلت بين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبين نسائه.
وأما الأمور العامة الكلّيّة التي تعم المسلمين، إذا لم يكن فيها وحي خاص، فكان يشاور فيها أبا بكر وعمر، وإن دخل غيرهما في الشورى، لكن هما الأصل في الشورى، وكان عمر تارة ينزل
(1) حديث الإفك حديث طويل جاء عن عائشة رضي الله عنها.
وأوله - وهذا لفظ البخاري: 5/ 116 - قالت عائشة: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أراد سفراً أقرع بين أزواجه، فأيهن خرج سهمها خرج بها ....
والحديث في البخاري 3/ 173 - 176 (كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً) ، 5/ 116 - 120 (كتاب المغازي، باب حديث الإفك) ، 6/ 76 - 77 (كتاب التفسير، سورة يوسف) ، مسلم 4/ 2129 - 2138 (كتاب التوبة، باب في حديث الإفك .... ) ، المسند (ط. الحلبي) 6/ 194 - 197.