فهرس الكتاب
الصفحة 145 من 363

الثاني: أن هذا كذب على ابن عباس، والمتواتر عنه أنه كان يفضّل عليه أبا بكر وعمر، وله معايبات يعيب بها عليّاً، ويأخذ عليه في أشياء من أموره، حتى أنه لما حرق الزنادقة الذين ادّعوا فيه الإلهية قال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يعذِّب بعذاب الله، ولضربت أعناقهم لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "من بدّل دينه فاقتلوه" رواه البخاري وغيره [1] ، ولما بلغ عليّاً ذلك قال: ويح أم ابن عباس.

ومن الثابت عن ابن عباس أنه كان يفتي - إذا لم يكن معه نص - بقول أبي بكر وعمر. فهذا اتّباعه لأبي بكر وعمر، وهذه معارضته لعلي.

وقد ذكر غير واحد، منهم الزبير بن بكّار مجاوبته لعليّ لما أخذ ما أخذ من مال البصرة، فأرسل إليه رسالة فيها تغليظ عليه، فأجاب عليّاً بجواب بتضمن أن ما فعلتُه دون ما فعلتَه من سفك دماء المسلمين على الإمارة ونحو ذلك.

الثالث: أن هذا الكلام ليس فيه مدح لعليّ؛ فإن الله كثيراً ما يخاطب الناس بمثل هذا في مقام عتاب، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3] ، فإن كان عليّ رأس هذه الآية، فقد وقع منه هذا الفعل الذي أنكره الله وذمه.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1] . وثبت في الصحاح أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بمكة، فأرسل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً والزبير ليأتيا بالمرأة التي كان معها الكتاب، وعليٌّ كان بريئاً من ذنب حاطب، فكيف يُجعل رأس المخاطبين الملامين على هذا الذنب؟!.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء: 94] . وهذه الآية نزلت في الذين وجدوا رجلاً في غنيمة له، فقال: إني مسلم، فلم يصدقوه وأخذوا غنمه، فأمرهم الله سبحانه وتعالى بالتثبيت والتبيّن، ونهاهم عن تكذيب مدّعي الإسلام طمعاً في دنياه. وعليّ رضي الله عنه بريء من ذنب هؤلاء، فكيف يقال هو رأسهم؟! وأمثال هذا كثير في القرآن.

الرابع: هو ممن شمله لفظ الخطاب، وإن لم يكن هو سبب الخطاب، فلا ريب أن اللفظ شمله كما يشمل غيره. وليس في لفظ الآية تفريق بين مؤمن ومؤمن.

(1) الحديث عن عكرمة رضي الله عنه في: البخاري 9/ 15 (كتاب استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام