من له عقل ودين، وإنما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجراءة في الكذب، فإن الرسل صلوات الله عليهم كيف يُسألون عمّا لا يدخل في أصل الإيمان؟.
وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأطاعه، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً لم يضره ذلك شيئاً، ولم يمنعه ذلك من دخول الجنة. فإذا كان هذا في أمة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فكيف يقال: إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة؟!.
والله تعالى قد أخذ الميثاق عليهم لئن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه. هكذا قال ابن عباس وغيره، كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} [آل عمران: 81] إلى قوله: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81] [1] .
فأما الإيمان بتفصيل ما بُعث به محمد: فلم يؤخذ عليهم، فكيف يؤخذ عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين؟.
الرابع: أن لفظ الآية: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] . ليس في هذا سؤال لهم بماذا بعثوا؟ [2] .
الخامس: أن قول القائل: إنهم بعثوا بهذه الثلاثة. إن أراد أنهم لم يُبعثوا إلا بها، فهذا كذب على الرسل. وإن أراد أنها أصول ما بُعثوا به، فهذا أيضاً كذب؛ فإن أصول الدين التي بُعثوا بها: من الإيمان بالله واليوم الآخر وأصول الشرائع، أهم عندهم من ذكر الإيمان بواحد من أصحاب نبيّ غيرهم، بل ومن الإقرار بنبوة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن الإقرار بمحمد يجب عليهم مجملاً، كما يجب علينا نحن الإقرار بنبوّاتهم مجملاً، لكن من أدركه منهم وجب عليه الإيمان بشرعه على التفصيل كما يجب علينا. وأما الإيمان بشرائع الأنبياء على التفصيل، فهو
(1) الأثر بمعناه عن علي بن أبي طالب وعن ابن عباس رضي الله عنهم في: تفسير الطبري (ط. المعارف) 6/ 555 - 557، تفسير ابن كثير (ط. الشعب) 2/ 56، زاد المسير (1/ 414 - 415) .
(2) قال ابن كثير في تفسيره للآية:"وقوله سبحانه وتعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} : أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداءن كقوله جلت عظمته: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ... وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: واسألهم ليلة الإسراء، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جُمعوا له". وانظر زاد المسير 7/ 318 - 320.