أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "أمَّا صاحبكم فقد غامر فسلم". وقال: إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً. ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ قالوا: لا. فأتي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فسلّم عليه فجعل وجه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يتمعّر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، وقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم، مرتين. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟ فما أُوذِيَ بعدها".
وفي لفظ آخر: "إني قلت: أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلت: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت" [1] .
وفي الترمذي مرفوعاً: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمَّهم غيره" [2] .
وتجهيز عثمان بألف بعير أعظم من صدقة عليّ بكثير كثير؛ فإن الإنفاق في الجهاد كان فرضاً، بخلاف الصدقة أمام النجوى فإنه مشروط بمن يريد النجوى، فمن لم يردها لم يكن عليه أن يتصدق.
وقد أنزل الله في بعض الأنصار: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"جاء رجل إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: إني مجهود. فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق نبيّاً ما عندي إلا ماء. ثم إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. فقال: "من يضيِّفه هذه الليلة رحمه الله"؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله."
وانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا إلا قوت صبياننا. فقال:
(1) الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه في: البخاري 5/ 5 (كتاب فضائل أصحاب النبي .. ، باب حدثنا الحميدي .. ) ، 6/ 60 (كتاب التفسير، سورة الأعراف، باب قل يا أيها الناس إني رسول الله ... ) . وسبق الحديث في هذا الجزء، ص 30.
(2) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: سنن الترمذي 5/ 276 (كتاب المناقب، مناقب أبي بكر الصديق، باب رقم 59) وقال الترمذي:"هذا حديث غريب". وذكره السيوطي في"الفتح الكبير"3/ 373 وقال إنه في سنن الترمذي عن عائشة. وقال الألباني في"ضعيف الجامع الصغير وزيادته"6/ 96:"ضعيف جداً".