هذه المسألة هي مما وقع فيها الاختلاف بين العلماء، إذ قال بعض العلماء بإثبات سماع الموتى، واستدلوا على ذلك بتكليم الرسول - صلى الله عليه وسلم - للقتلى من المشركين الذين رموا في القليب يوم بدر، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه:"ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" (1) ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - عن الميت بعد دفنه:"إنه ليسمع قرع نعالهم" (2) وبأمثالهما من الأحاديث المثبتة لذلك.
قال الشنقيطي - رحمه الله:"النصوص الصحيحة عنه - صلى الله عليه وسلم - في سماع الموتى لم يثبت في الكتاب ولا في السنة شيء يخالفها" (3) . وقد ذهب إلى هذا القول عدد من العلماء منهم ابن عبد البر، وابن كثير، وابن القيم، وابن رجب وغيرهم (4) .
وذهب آخرون منهم عائشة - رضي الله عنها - إلى إنكار ذلك والاعتراض عليه بقوله تعالى: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (5) وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (6) .
والقرطبي - رحمه الله - أخذ بالقول الأول، وأثبت أنه لا تعارض
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر ح 1370 (3/ 274) ، ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه ح 932 (6/ 488) .
(2) سبق تخريجه ص (804) .
(3) أضواء البيان (6/ 129) .
(4) انظر: زاد المعاد لابن القيم (3/ 685) . وأضواء البيان للشنقيطي (6/ 124 - 142) ، وأهوال القبور لابن رجب ص (86) .
(5) سورة النمل، الآية: 80.
(6) سورة فاطر، الآية: 22.