وجهين:
أحدهما: أن يكون أراد حقًّا شرعيًّا لا واجبًا بالعقل، كما تقول المعتزلة، وكأنه لما وعد به تعالى ووعده الصدق صار حقًّا من هذه الجهة.
والوجه الثاني: أن يكون خرج مخرج القابلة للفظ الأول، لأنه قال في أوله:"ما حق الله على العباد؟"ولا شك أن لله على عباده حقًّا فاتبع اللفظ الثاني الأول" (1) ."
أول من اشتهر عنه القول بالتحسين والتقبيح الجهم بن صفوان الذي وضع قاعدته"إيجاب المعارف بالعقل قبل ورود الشرع"وبنى على ذلك أن العقل يوجب ما في الأشياء من صلاح وفساد وحسن وقبح، قبل نزول الوحي، ثم جاء الوحي مصدقًا لما قال به العقل من حسن بعض الأشياء، وقبح بعضها، وقد أخذ المعتزلة بهذا القول، واشتهر عنهم فقالوا: إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسول" (2) ."
وقابل هذا القول قول الأشاعرة، ومن تابعهم الذين قالوا: إن الفعل لا يدل على حسن شيء، ولا قبحه، قبل ورود الشرع، فلا يعرف الحسن والقبح إلَّا بالشرع، فلو عكس الشرع، فحسن ما قبحه وقبح ما حسنه لم يكن ممتنعًا (3) .
= الجنة ح (30) (1/ 343) .
(1) المعلم (1/ 195) ، وانظر أيضًا (1/ 325) .
(2) نشأة الفكر الفلسفي للنشار (1/ 346) .
(3) انظر: اللمع للأشعري ص (116) والتبصير في الدين لأبي المظفر الإسفراييني ص (103) .