الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أكثر أوقاته، فهذا بأخس الأحوال، لكنه إذا ذُكِّرَ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبشيء من فضائله اهتاج لذكره، واشتاق لرؤيته، بحيث يؤثر رؤيته، بل رؤية قبره ومواضع آثاره على أهله وماله وولده ونفسه والناس أجمعين" (1) ."
وقال في موضع آخر، وهو يذكر فضائل المدينة:"ففي حياته -صلى الله عليه وسلم-: صحبته ورؤية وجهه الكريم، وبعد وفاته: مجاورة جسده الشريف، ومشاهدة آثاره المعظمة، فطوبى لمن ظفر بشيء من ذلك، وأحسن الله عزاء من لم ينل شيئًا مما هنالك" (2) .
ونقل عن القاضي عياض مقرًّا له جعل قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أفضل بقاع الأرض، حيث قال:"قال القاضي عياض: أجمع المسلمون على أن موضع قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل بقاع الأرض كلها" (3) .
ولا شك أن هذا من الغلو الذي نهى عنه -صلى الله عليه وسلم- فقال:"لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم" (4) ، وقال:"لا تجعلوا قبري عيدًا" (5) ، وغيرها من الأحاديث الناهية عن الغلو في شخصه -صلى الله عليه وسلم- فضلًا عن آثاره.
ومع ما وقع فيه القرطبي -رحمه الله- هنا من الغلو المذموم، إلَّا أنه قرر ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من النهي عن الصلاة إلى القبور،
(1) المفهم (1/ 227) .
(2) المفهم (3/ 496) .
(3) المفهم (3/ 503) .
(4) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} (3445) (6/ 551) .
(5) رواه أحمد في مسنده (2/ 367) وأبو داود في كتاب المناسك، باب زيارة القبور وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1211) برقم (7226) .