الجهاد. فأنزل الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 19] .
والجواب أن يقال: هذا اللفظ لا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة بل دلالات الكذب عليه ظاهرة. منها: أن طلحة بن شيبة لا وجود له، وإنما خادم الكعبة هو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة [1] . وهذا مما يبين لك أن الحديث لم يصح. ثم فيه قول العباس:"لو أشاء بِتُّ في المسجد"فأيّ كبير أمر في مبيته في المسجد حتى يتبجح به؟
ثم فيه قول عليّ:"صليت ستة أشهر قبل الناس"فهذا مما يُعلم بطلانه بالضرورة، فإن بين إسلامه وإسلام زيد وأبي بكر وخديجة يوماً أو نحوه، فكيف يصلّي قبل الناس بستة أشهر؟!
وأيضاً فلا يقول: أنا صاحب الجهاد، وقد شاركه فيه عدد كثير جداً.
وأما الحديث فيقال: الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه [2] ، ولفظ عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وهو يوم الجمع. ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيه فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 19] الآية إلى آخرها"."
وهذا الحديث ليس من خصائص الأئمة، ولا من خصائص عليّ فإن الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله كثيرون، والمهاجرون والأنصار يشتركون في هذا الوصف.
وأبو بكر وعمر أعظمهم إيماناً وجهاداً، لا سيما وقد قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا
(1) في"الإصابة"لابن حجر 2/ 157:"روى ابن سعد عن هوذة عن عوف عن رجل من أهل المدينة قال: دعا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم شيبة بن عثمان فأعطاه مفتاح الكعبة فقال:"دونك هذا فأنت أمين الله على بيته". وقال مصعب الزبيري: دفع إليه وإلى عثمان بن أبي طلحة وقال:"خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يأخذهامنكم إلا ظالم". وذكر الواقدي أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعطاها يوم الفتح لعثمان، وأن عثمان ولي الحجابة إلى أن مات، فوليها شيبة، فاستمرت في ولده". وانظر"الاستيعاب"بهامش"الإصابة"2/ 155 - 157.
(2) 3/ 1499 (كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى) .