لو كان نقصاً أو غضاً لما فعله موسى بهارون، ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون، لأن العسكر كان مع هارون، وإنما ذهب موسى وحده.
وأما استخلاف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فجميع العسكر كان معه، ولم يُخَلَّف بالمدينة - غير النساء والصبيان - إلا معذورٌ أو عاصٍ.
وقول القائل:"هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا"هو كتشبيه الشيء بالشيء. وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دلّ عليه السياق، لا يقتضي المساواة في كل شيء.
ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث الأسارى لَمّا استشار أبا بكر، وأشار بالفداء، واستشار عمر، فأشار بالقتل. قال:"سأخبركم عن صاحبيكم. مثلك يا أبا بكر كمثل إبارهيم إذ قال: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم: 36] ، ومثل عيسى إذ قال: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] . ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: {رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] ، ومثل موسى إذ قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس: 88] ".
فقوله لهذا: مثلك كمثل إبراهيم وعيسى، ولهذا: مثل نوح وموسى، أعظم من قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؛ فإن نوحاً وإبراهيم وعيسى أعظم من هارون، وقد جعل هذين مثلهم، ولم يرد أنهما مثلهم في كل شيء، لكن فيما دلّ عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله.
وكذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دلّ عليه السياق، وهو استخلافه في مغيبه، كما استخلف موسى هارون. وهذا الاستخلاف ليس من خصائص عليّ، بلا ولا هو مثل استخلافاته، فضلاً عن أن يكون أفضل منها.
وقد استخلف مَنْ عليّ أفضل منه في كثير من الغزوات، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على عليّ إذا قعد معه، فكيف يكون موجباً لتفضيله على عليّ؟
بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف عليّ، بل كان ذلك الاستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك، وكانت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر، فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة.