لا يحصل إلا بقتل الناكث الطاعن الساب، وهو المطلوب" [1] ، قلت: هذا الذي حرره ابن تيمية في غاية الحسن، وهو الذي يجده سليم الفطرة وسليم القلب وهو أنه لا يذهب غيظ قلبه عند سماع نبأ الشاتم إلا بقتل الشاتم، وهذا يعرفه أحدنا لأنه أول ما يتمناه أن يمكنه الله من الشاتم للنبي صلى الله عليه وسلم ليقتله، ومن لم يجد هذا في نفسه فليبكِ على نفسه أو ليجد لنفسه متبوعاً آخر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسأل الله السلامة والعافية من ذلك."
2.قول الله تعالى:"إن شانئك هو الأبتر" [2] ،قال الإمام الطبري رحمه الله بعد ذكر أقوال المفسرين في هذه الآية:"وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال إن الله تعالى ذِكره أخبر أن مُبغضَ رسول الله هو الأقل الأذل المنقطع عقبُه، فذلك صفة كلِ من أبغضه من الناس، وإن كانت الآية نزلت في شخصٍ بعينه" [3] ، قلت: فمن كان بغضه مستوراً مبطناً عامله الله بذلك وعاملناه بظاهره، ومن أظهر بغضه للنبي صلى الله عليه وسلم وشنآنه كأن يسبه أو يشتمه عاملناه بذلك، وتعاطينا أسباب بتره وقطع عقبه حساً ومعنى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالقتل، قال ابن تيمية رحمه الله:"فأخبر سبحانه أن شانئه هو الأبتر؛ والبتر القطع، يقال: بتر يبتر بتراً، وسيفٌ بتار إذا كان قاطعاً ماضياً، ومنه في الاشتقاق الأكبر تبَّره تتبيراً إذا أهلكه، والتبار الهلاك والخسران. وبيَّن سبحانه أنه هو - أي المبغض للنبي صلى الله عليه وسلم - الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد، لأنهم قالوا إن محمداً صلى الله عليه وسلم ينقطع ذِكره لأنه لا ولد له، فبيَّن الله أن الذي يشنأه هو الأبتر لا هو، والشنآن منه ما هو باطن في القلب لم يظهر، ومنه ما يظهر على اللسان وهو أعظم الشنآن وأشده، وكل جرمٍ استحق فاعله عقوبةً من الله، إذا أظهر ذلك الجرم عندنا وجب أن نعاقبه ونقيم عليه حد الله، فيجب أن نبتر مَن أظهر شنآنه وأبدى عداوته، وإذا كان ذلك واجباً وجب قتله وإن اظهر التوبة بعد القدرة، وإلا لما انبتر له شانيء بأيدينا في غالب الأمر لأنه لا يشاء شانئ أن يظهر شنآنه ثم يظهر المتاب بعد رؤية السيف إلا فعل، فإن ذلك سهل على من يخاف السيف" [4] ، قلت: وهذا لا يحتاج إلى مزيد بيان فالبتر القطع، فمن أظهر لنا عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشتمه وسبه بترناه وقطعنا ذكره وطمسنا سيرته بأيدينا والحمد لله.
3.قوله تعالى:"وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون" [5] ، قال القاضي عياض رحمه الله:"واستدل بعض شيوخنا على قتله - أي الذمي الساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى:"وإن نكثوا أيمانهم"وذكر الآية ثم قال رحمه الله:"وأيضاً فإن ذمتهم لا تُسقط حدود الإسلام عنهم، من القطع في سرقة أموالهم، والقتل لمن قتلوه منهم، وإن كان ذلك حلالاً عندهم، فكذلك سبهم للنبي صلى الله عليه وسلم يُقتلون به" [6] ، وقال ابن تيمية رحمه الله:"إن الذمي إذا سب الرسول أو سب الله أو عاب الإسلام علانية فقد نكث يمينه وطعن في ديننا، لأنه لا خلاف بين المسلمين أنه يُعاقَب على ذلك ويؤدب عليه، فعُلم أنه لم يعاهَد عليه، لأنا لو عاهدنه عليه ثم فعله لم تجز عقوبته عليه، وإذا كنا قد عاهدناه على أن لا يطعن في ديننا ثم طعن في ديننا، فقد نكث في يمينه من بعد عهده وطعن في ديننا فيجب قتله
(1) الصارم المسلول - 2/ 44 - 48 باختصار وتصرف
(2) سورة الكوثر - آية 3
(3) تفسير الطبري - 30/ 330
(4) الصارم المسلول - 3/ 862 - 863
(5) سورة التوبة - آية 12
(6) الشفا - 2/ 462