فهرس الكتاب
الصفحة 11 من 83

ويُسلِّموا تسليماً" [1] ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"قال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد: نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلوا:"فليحذرِ الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة" [2] .. الآية، وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة؟ الشرك؛ لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شئ من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه، وجعل يتلوا هذه الآية:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" [3] " [4] . وروى ابن خزيمة في صحيحه عن أمية بن عبد الله بن خالد أنه قال لعبد الله بن عمر:"إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن؟ فقال عبد الله: يا ابن أخي، إن الله عز وجل بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأينا محمداً صلى الله عليه وسلم يفعل" [5] ، قلت: وهذه هي المتابعة التي يسعد بها المرء في الدنيا والآخرة، فلله دَرُّهم مِن صحبةٍ اختارها الله تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه. لقد علم الصحابة رضوان الله عليهم أن الخير كل الخير في اتباع سنته، وأن المحبة صدق المحبة في التزام هديه صلى الله عليه وسلم، فقال أفضل الصحابة وخيرهم بل خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه:"لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ" [6] .قلت: صدق الصدِّيق رضي الله عنه، فإنما هما أمران لا ثالث لهما؛ اتباع سنةٍ وهدى، أو ترك سنة وزيغ وضلال، وليس ذلك لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلٌ يؤخذ منه ويُرد إلا هو بأمي وأمي صلوات الله وسلامه عليه."

خامساً: مكان النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الدين النصيحة". قلنا: لمن؟ قال:"لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" [7] ، قال الإمام النووي رحمه الله:"وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته فى أمره ونهيه، ونصرته حياً وميتاً، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته ونشر شريعته، ونفى التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطف في تعلُّمها وتعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلُّق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع فى سنته أوتعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك" [8] ، وقال القاضي عياض رحمه الله:"وقال أبو بكر الآجري وغيره: النصح له يقتضي نصحين؛ نصحاً في حياته، ونصحاً بعد مماته. ففي حياته نصحَ أصحابُه له بالنصر والمحاماة عنه، ومعاداة من عاداه، والسمع والطاعة له، وبذل النفوس والأموال دونه، كما قال تعالى:"رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم مَن قضى نَحبَه ومنهم

(1) سورة النساء - آية 65

(2) سورة النور - آية 63

(3) سورة النساء - آية 65

(4) الصارم المسلول على شاتم الرسول - ابن تيمية - 2/ 116

(5) صحيح ابن خزيمة - 2/ 72

(6) صحيح البخاري - 3/ 1126

(7) صحيح مسلم - 1/ 74

(8) شرح النووي على صحيح مسلم - 2/ 38

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام