رأيكم على دينكم، لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته" [1] ، أي ومع ذلك لم أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وحديث سهل بن حنيف وعمر بن الخطاب [2] وإن كان يدل على ذم الرأي لكنه مخصوص بما إذا كان معارضاً للنص، فكأنه قال اتهموا الرأي إذا خالف السنة" [3] ، قلت: وهذه قاعدة كلية يجدر بالمسلم أن يعيها ويعمل بها: اتهم الرأي إذا خالف السنة."
إن ما تقدم من أدلة مستفيضة متضافرة تدل دلالة محكمة لا ريب فيها على أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم منتقض الأمن والإيمان مستحق للقتل ليس رأياً لنا نزينه للناس، وليس رأياً شاذاً استخرجناه من خفايا الكتب والشروح، بل هو دليل القرآن الذي نتلوه صباح مساء، ودليل السنة المطهرة التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم نقيةً بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، ولقد بيَّنا تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم العملي قولاً وفعلاً للأصول القرآنية الدالة على هذا، وليس بعد السنة الشارحة المبينة للقرآن قولاً وفعلاً مجال للتقدم برأي أو تأويل أو تفسير لكتاب الله تعالى. بقي أننا في زمان تراكمت فيه الشبهات إما لجهلٍ أو ضلال أو تضليل فمنعت صدور الموحدين من تلقي نور الوحي، فلم تنقدح في قلب المؤمن عقيدةُ لا إله إلاالله محمد رسول الله على الوجه الذي انقدحت به في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، فإذا بهم يسودون العالم فاتحين ومحررين للإنسان كل الإنسان من عبودية الطاغوت إلى عبودية الرحمن الرحيم، ولا بد لنا اليوم ونحن نجابه هذه الحملة الشرسة على الإسلام، والتي يتمحور كثير منها حول الطعن في نبي الرحمة ومصباح الهدى عليه أفضل الصلاة والسلام، من أن ننتصر لنبينا صلى الله عليه وسلم حباً وفداءً له، وقياماً بواجب الجهاد في سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته ونشر سنته صلى الله عليه وسلم، وتحقيقاً لمصداقيتنا المفقودة أمام الأمم إذ ندَّعي أننا أتباع خير الأنبياء ثم نتقاصر عن تفديته بالأموال والدماء. ولما كان الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم على الوجه المذكور تنتابه بعض الشبهات رأيت من المناسب استعراض شيء من ذلك استعراضاً سريعاً كي نتحرر من كل الموانع التي تعوق نهضتنا لنصرة خاتم الأنبياء على الوجه الذي سنه لنا صلوات الله وسلامه عليه، لا سيما وأن معظم هذه الشبهات مما له علاقة بواقعنا المعاصر؛ واقع الخذلان أقول لا واقع الضعف، فإن ما نحن فيه اليوم خذلان لا ضعف عند النظر والتأمل، ولن نستطيع أن ننهض من هذا الواقع إلا بهبة رجل واحد ننتصر فيها لنبينا صلى الله عليه وسلم ونقطع دابر كل متطاول خبيث على مقام خير خلق الله أجمعين، والله المستعان.
جواب الشبهة الأولى: هذا كله هراءٌ محض، أما الحجة الأولى فمردودة لأن أحكام الإسلام لا يضرها أن يسميها الجهلة ما يريدون، ولقد ثبت بالقرآن والإجماع وجوب قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم [4] ، وتقدمت الأدلة على ذلك. ولقد
(1) صحيح البخاري - 6/ 2665
(2) يشير هنا إلى قوله رحمه الله:"وقد جاء عن عمر نحو قول سهل ولفظه: اتقوا الرأي في دينكم، أخرجه البيهقي في المدخل هكذا مختصراً، وأخرجه هو والطبري والطبراني مطولاً بلفظ: اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيي اجتهاداً فوالله ما آلو عن الحق وذلك يوم أبى جندل حتى قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تراني أرضى وتأبى" (فتح الباري - 13/ 289)
(3) فتح الباري - 13/ 288
(4) حكى هذا الإمام ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول، وحكاه القاضي عياض رحمه الله في الشفا