لأن عدم التصديق والمحبة قد يصدر عن الجهل والعناد والحسد والكبر وتقليد الأسلاف وإلف الدين أكثر مما يصدر عن العلم بصفات النبي، خلاف ما إذا قال: مَن كان! ومن هو! وأي كذا وكذا هو! ونحو ذلك من الاستهزاء والاستخفاف، وإذا قال لم يكن رسولاً ولا نبياً ولم ينزَّل عليه شيء ونحو ذلك، فهو تكذيبٌ صريح، وكل تكذيبٍ فقد تضمن نسبتَه إلى الكذب ووصفه بأنه كذاب، فهناك فرق بين من لا يُقر بأنه صلى الله عليه وسلم نبي وبين من يقول هو كذَّاب؛ فليس مَن نَفى عن غيره بعض صفاته نفياً مجرداً كمن نفاها عنه ناسباً له إلى الكذب في دعواها، والمعنى الواحد قد يؤدَّى بعباراتٍ بعضها يُعد سباً وبعضها لا يُعد سباً، فيُنظر في هذا كله إلى السياق وقرائن الأحوال للحكم على قائل ذلك.
3.في عصرنا هذا تصوير الصور والرسوم على سبيل الاستهزاء والسخرية: فهذا مما لا يُشك في كونه سبَّاً وتنقصاً وشتماً للنبي صلى الله عيه وسلم، بل إننا لا نقبله منسوباً لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم.
4.الطعن في العرض: كنسبة الأم إلى الفاحشة ونسبة الزوج إلى الفاحشة فهذا كله طعن في مقام النبوة وسب وشتم يترتب عليه موجبه من الحكم الشرعي والعقوبة الشرعية بلا خلاف.
5.ذكر ما تعرض إليه من ابتلاءات على سبيل السخرية والتعريض: كأن يقول مستخفاً: مرض وضُرب وأوذي وسقط من على فرسه، وسُحر وحُبس عن أزواجه، ولم يجد النفقة على أزواجه فمن حكى شيئاً من ذلك مستخفاً فهو سابٌ يترتب على مسبته الحكم والعقوبة الشرعية.
وجماع ما تقدم أن ما يعرف الناس أنه سبٌ فهو سب، وقد يختلف ذلك باختلاف الأحوال والاصطلاحات والعادات وكيفية الكلام ونحو ذلك، وما اشتبه فيه الأمر أُلحق بنظيره وشَبَهه والله سبحانه أعلم. [1]
هذا المبحث من أهم المباحث التي تناولها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالعرض والجواب، ولقد أبدع وأجاد وأفاد رحمه الله في ذلك، وأنا أوجز وأختصر ما تيسر من كلامه رحمه الله لشدة الحاجة إليه في هذا المقام، رب يسِّر وأعن:
إنَّ سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جناية وجريمة فوق باقي الجنايات، وإن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم جريمة زائدة على جريمة الردة والكفر والحراب، وبدايةً لا بد من تحرير أوجه الحقوق المتعلقة بسب الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حرر ذلك ابن تيمية رحمه الله تحريراً نفيساً فقال:"إن سب النبي صلى الله عليه وسلم تعلق به عدة حقوق:"
1.حق الله سبحانه: من حيث كفرَ - أي الساب - برسوله، وعادى أفضل أوليائه، وبارزه بالمحاربة، ومن حيث طعن في كتابه ودينه، فإن صحتهما موقوفةٌ على صحة الرسالة، ومن حيث طعن في ألوهيته؛ فإن
(1) الصارم المسلول - 3/ 1005 - 1012 بتصرف واختصار