فهرس الكتاب
الصفحة 9 من 83

ثالثاً: مكان محبة النبي صلى الله عليه وسلم:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ومن حقه - صلى الله عليه وسلم - أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق كما دل على ذلك قوله سبحانه:"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنٌ ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" [1] " [2] ، وقال الشيخ السعدي رحمه الله:"هذه الآية الكريمة أعظم دليلٍ على وجوب محبة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد على مَن كان شيءٌ من المذكورات أحبَّ إليه من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله، وعلامةُ ذلك أنه إذا عُرض عليه أمران؛ أحدهما يحبه الله ورسوله وليس لنفسه فيها هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه ولكنه يفوِّت عليه محبوباً لله ورسوله أو يُنقصه، فإنه إن قدَّم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله دل على أنه ظالمٌ تاركٌ لما يجب عليه" [3] .

وعن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحبُّ إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الآن يا عمر" [4] ، قال الحافظ العيني رحمه الله:"قوله (حتى أكون) أي لا يكمل إيمانك حتى أكون، قوله (الآن) يعني كمل إيمانك" [5] ، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين" [6] ، قال الحافظ العيني رحمه الله:"قال أبو الزناد: هذا من جوامع الكلم الذي أوتيه عليه الصلاة والسلام، إذ أقسام المحبة ثلاثة؛ محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة رحمة وإشفاق كمحبة الولد، ومحبة مشاكلةٍ واستحسان كمحبة الناس بعضهم بعضاً، فجمع عليه السلام ذلك كله" [7] ، قلت: فمكان حب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب المؤمن أولى وأعلى من مكان غيره في أقسام المحبة كلها؛ أما محبة الشفقة والرحمة فتلك التي يضحي لأجلها المحب بكل نفيسٍ وغالٍ في سبيل محبوبه، ولئن كان أحدنا يضحي بنفسه وماله وراحته في سبيل ولدٍ لا يدري أيكون له فتنة ونقمة أم رحمة ونعمة، فكيف بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو النعمة المسداة من رب العالمين، وهو طريقنا إلى محبة الله ومرضاته وجنته، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بلوازم هذا الحب من أبنائنا وبناتنا، وهو كذلك، وأما محبة الإجلال والإعظام فلئن كان أحدنا يبذلها لوالديه وحقيقٌ بهما ذلك لما لهما من حق وسابقة نعمة وفضل، فلعمر الحق لا أحد أولى بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يدانيه في منزلة تعظيمه وتوقيره ملِكٌ معظَّم ولا أميرٌ مبجّل ولا والد والدة ولا صاحب فضل ولا نعمة، كيف وكل نعمة نعيشها في ظلال الإسلام قد تفيأنا ظلها بفضل الله تعالى عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أولى بمحبة التعظيم والتوقير وأولى بلوازم هذه المحبة من آبائنا وأمهاتنا وهو كذلك، وأما محبة المشاكلة والاستحسان فلا تخرج عن أن تكون فرعاً عن محبوبٍ أعظم أو أن تكون

(1) سورة التوبة - آية 24

(2) تقريب الصارم المسلول - صلاح الصاوي - 1/ 259

(3) تفسير السعدي - 1/ 332

(4) صحيح البخاري - 6/ 2445

(5) عمدة القاري - العيني - 23/ 169

(6) صحيح البخاري -1/ 14

(7) عمدة القاري- العيني - 1/ 144

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام