فهرس الكتاب
الصفحة 68 من 83

والذي يترجح في هذه المسألة والعلم عند الله أن المرتد بسبِّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يستتاب، ولا تقبل توبته في الدنيا، بل يُقتل صيانةً لجناب النبي صلى الله عليه وسلم وزجراً للنفوس عن استحلال حرمته، وإمعاناً في تعزيره وتوقيره وإجلاله صلوات الله وسلامه عليه، وأما توبته إن كان صادقاً فيما بينه وبين الله تعالى فتنفعه في الآخرة والله أعلم.

المسألة الثانية: عصمة إسلام الكافر الساب للنبي صلى الله عليه وسلم لدمه من القتل:

إذا أسلم الكافر قُبِل إسلامه وليس النظر في هذا، وإنما النظر في استصحاب تحتم وتعيُّن قتل الكافر إذا أسلم وكان قد سب النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأفاد في عرض أدلة هذه المسألة حيث بيَّن بأكثر من عشرين طريقة، وبما لا يترك مجالاً للشك أن حكم الكافر الأصلي الساب للنبي صلى الله عليه وسلم هو كحكم المرتد الساب يُقتل لموجب السب مع قبول إسلامه. والدليل على ذلك مجمل الأدلة المتقدمة في المسألة الأولى بل في الكتاب كله، إذ أنها إذا كانت نافذة في المرتد مع ما له من سابقة الإسلام فلأن تنفذ في الكافر الأصلي ذمياً كان أم مستأمناً أم حربياً أحرى وأولى، ونضيف إلى ما سبق ما يلي من الأدلة:

1.قول الله تعالى:"إن شانئك هو الأبتر" [1] ، قال ابن تيمية في هذه الآية:"وكل جرمٍ استحق فاعله عقوبةً من الله، إذا أظهر ذلك الجرم عندنا وجب أن نعاقبه ونقيم عليه حد الله، فيجب أن نبتر من أظهر شنآنه وأبدى عداوته، وإذا كان ذلك واجباً وجب قتله وإن اظهر التوبة بعد القدرة، وإلا لما انبتر له شانيء بأيدينا في غالب الأمر، لأنه لا يشاء شانئ أن يظهر شنآنه ثم يظهر المتاب بعد رؤية السيف إلا فعل، فإن ذلك سهل على من يخاف السيف" [2] . قلت: وهذه الآية خبرٌ من الله تعالى بمآل مَن أبغض النبي صلى الله عليه وسلم وشانه، وهذا الخبر كما أنه مجمول على الواقع بالنسبة لأعيانٍ انتقم الله تعالى منهم لنبيه صلى الله عليه وسلم، فإنه محمولٌ أيضاً على الطلب من المؤمنين الموحدين أتباع محمد الأمين صلوات الله وسلامه عليه بأن يجدّوا في تعاطي أسباب قطع دابر كل من تسول له نفسه التطاول بالسب والشتم والأذى على النبي صلى الله عليه وسلم.

2.قصة أنس بن زنيم الديلي: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"ذكر ابن إسحاق في المغازي أن عمرو بن سالم الخزاعي خرج في أربعين راكباً يستنصرون رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش، فأنشده: لاهم إني ناشدٌ محمداً عهدَ أبينا وأبيه الأتلدا .. الأبيات، ثم قال: يا رسول الله، إن أنس بن زنيم هجاك، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه، فبلغه ذلك فقدم عليه معتذراً، وأنشده أبيات مدحه بها، وكلَّمه فيه نوفل بن معاوية الديلى فعفا عنه، وهكذا أورد الواقدي والطبري القصة لأنس بن زنيم" [3] ، ووجه الدلالة من هذا الحديث أن

(1) سورة الكوثر - آية 3

(2) الصارم المسلول - 3/ 862 - 863

(3) الإصابة في تمييز الصحابة - ابن حجر - 1/ 122

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام