فهرس الكتاب
الصفحة 7 من 83

والحاصل من هذا كله أن تحقيق مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في الواقع تحقيق مكان التوحيد؛ فلا معقد لأصل الإيمان في قلب امرئٍ بغير الإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، هذا ما عليه عهد الأنبياء من قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، وهذا ما عليه العهد بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، أما عهد الأنبياء فقوله تعالى:"وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدِّقٌ لما معكم لتؤمنُنَّ به ولتنصُرُنَّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين" [1] ، وأما بعد بعثته فلا تنفع شهادة أن لا إله إلا الله حتى يتمها بشهادة أن محمداً رسول الله، قال القاضي عياض رحمه الله:"فالإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم واجبٌ متعيِّن لا يتم إيمانٌ إلا به، ولا يصح إسلامٌ إلا معه، قال تعالى:"ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً" [2] " [3] . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه النفيس الصارم المسلول على شاتم الرسول:"فإذا قال (لا إله إلا الله) فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره، (وأشهد أن محمداً رسول الله) تضمنت تصديق الرسول بما جاء به من عند الله، فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار"، ثم ذكر الأصل الآخر الذين لا بد منه وهو الانقياد فقال رحمه الله:"فصار الانقياد له من تصديقه في خبره، فمن لم ينقد لأمره فهو إما مكذبٌ له أو ممتنع عن الانقياد لربه وكلاهما كفرٌ صريح" [4] . والحاصل هنا أن من لم يؤمن تصديقاً وانقياداً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى وغيرهم فمات على ذلك، فإنه خالدٌ في نار جهنم خلود الكفار كما تقدم في حديث أبي هريرة وأبي موسى رضي الله عنهما، إذ ببعثته صلى الله عليه وسلم أكمل الله تعالى الدين ونسخ ما سبقه من الشرائع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن مَثَلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وُضعت هذه اللبنة! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين" [5] ، فعُلم أن الإيمان به صلى الله عليه وسلم هو معقد التوحيد، وسبيل النجاة، وبالله التوفيق.

ثانياً: مكان النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين:

قال الإمام البيضاوي رحمه الله في قوله تعالى:"النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" [6] :"في الأمور كلها؛ فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذُ عليهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها" [7] ، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من مؤمنٍ إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) "

(1) سورة آل عمران - آية 81

(2) سورة الفتح - آية 13

(3) الشفا بتعريف حقوق المصطفى - القاضي عياض - 2/ 260

(4) تقريب الصارم المسلول - صلاح الصاوي - 1/ 283

(5) صحيح البخاري - 3/ 1300

(6) سورة الأحزاب - آية 6

(7) تفسير البيضاوي - 4/ 364

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام