فهرس الكتاب
الصفحة 18 من 83

بالقول كجهر بعضهم لبعض إعظاماً له وإجلالاً، وأعلمَ أن ذلك يحبط أعمالهم، فكيف بمن جعل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وغيرَه في دين الله وأحكامه مِلَّتين، ثم يؤخِّر حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمه [1] ؛ إذا حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يوافقه قال هذا منسوخ، فإذا حدث عنه بما لا يعرفه قال هذا شاذ، فمِن رسول الله صلى الله عليه وسلم المنسوخ ومنه الناسخ، ثم مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاذ ومنه المعروف، ومِن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتروك ومنه المأخوذ" [2] ، ولابن قيم الجوزية رحمه الله كلامٌ نفيسٌ في هذا المعنى أيضاً حيث قال:"فإذا كان سبحانه قد نهى عن التقديم بين يديه، فأي تقدم أبلغ من تقديم عقله على ما جاء به؟ قال غير واحد من السلف: ولا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر، ومعلوم قطعاً أن من قدَّم عقله أو عقل غيره على ما جاء به فهو أعصى الناس لهذا النبي صلى الله عليه وسلم وأشدهم تقدماً بين يديه، وإذا كان سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، فكيف برفع معقولاتهم فوق كلامه وما جاء به" [3] ، قلت: لا شك أن هذا غاية الخسران، نسأل الله السلامة والعافية من ذلك."

ثانياً: باب قوله تعالى:"لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً"[4]:

نعم فلقد قال الله تعالى بأسلوب الحصر:"إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معَه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم. لا تجعلوا دعاءَ الرسولِ بينَكم كدعاء بعضِكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لِواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليم" [5] ، فهذا أدبٌ جامع في الاستئذان منه صلى الله عليه وسلم وفي دعائه أي ندائه صلوات الله وسلامه عليه. ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم محتاجون إلى مخالطة ومجالسة ومخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنهم يحتاجون إلى مخالطة ومخاطبة غيره، فهل يسوي الله تعالى بين مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجلس غيره، وبين ندائه ودعائه صلى الله عليه وسلم ودعاء غيره، كلا. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:"وهذا أيضاً أدبٌ أرشد الله عباده المؤمنين إليه، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف، لاسيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه من صلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع في مشورة ونحو ذلك، أمرهم الله تعالى أن لا يتفرقوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته وإن من يفعل ذلك فإنه من المؤمنين الكاملين" [6] ، وقال رحمه الله:"قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون يامحمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن"

(1) أي يقدم غيره

(2) تعظيم قدر الصلاة - المروزي - 2/ 660 قلت: تأمل كيف جعل رحمه الله من يتقدم برأيه على السنة كأته جاء بملة غير ملة الإسلام!

(3) الصواعق المرسلة - 3/ 997

(4) سورة النور - آية 63

(5) سورة النور - آية 62 - 63

(6) تفسير ابن كثير - 3/ 307

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام