جواب الشبهة الثانية:
هذه الشبهة شبهة سقيمة بل شبهة مشبوهة، لأننا ما أقررنا أهل الذمة بعقد الذمة على إظهار ما يدينون به، وإنما أقررناهم على دينهم بالجملة فيما بينهم فلا يظهرون منه شيئاً علانية لا سيما ما يتنقص به من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولقد سبق بيان أن شرط الذمة بذل الجزية والانقياد لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن خرق أياً من الشرطين خلع الذمة ونقض العهد، فكيف بمن أظهر سب نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي عياض رحمه الله:"قال محمد بن سحنون: فإن قيل: لم قتلته في سب النبي صلى الله عليه وسلم ومِن دينهِ سبه وتكذيبه؟ قيل: لأنا لم نعطه العهد على ذلك ولا على قتلنا وأخذ أموالنا، فإذا قتل واحداً منا قتلناه وإن كان من دينه استحلاله، فكذلك إظهاره لسب نبينا صلى الله عليه وسلم" [1] .هذا كله قاله العلماء في أهل الذمة فما بالك بمن لا ذمة له اليوم ولا عهد من الكفار المحاربين المستبيحين لحرمات الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أي هراء هذا الذي لا يقبله أحدنا مع نفسه، وأي منا يقبل إذا سمع أحداً يسبه ويشتمه أن يسكت عنه لأن الساب والشاتم يعتقد في قلبه ودينه أنه مستحق لهذا السب والشتم، هذا إلى كلام المجانين أقرب منه إلى كلام العقلاء الفاهمين، ولكنها ضلالات الشيطان تتردى بأهلها في مهاوي الجهل وظلمات الهوى، نسأل الله العافية من ذلك.
الشبهة الثالثة: ادعاء أن سب الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم سببه عدم معرفتهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وتقصير المسلمين في ذلك:
جواب الشبهة الثالثة:
وهذه الشبهة من أعجب ما رأيت وسمعت، ولقد تناولتها بالرد في مقال مفرد [2] أوجز منه ما يناسب موضوعنا هذا مستعيناً بالله عز وجل؛
لقد ظهر بعض الكلام في معرض ردود الأفعال تجاه بعض جرائم السب المعاصرة التي تناولت بها بعض الأيدي والألسن قطعها الله مقام نبينا صلى الله عليه وسلم بالسخرية والاستهزاء ما يفسر هذه الجرائم بتقصير المسلمين في تعريف الغير بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبتقصير المسلمين في التعريف بالإسلام ونحوه. وإن أحداً لا ينازع في أننا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم اليوم مقصرون في القيام بأمر الإسلام، غير أن هذا لا يمكن قبوله تفسيراً لجرائم القوم ولا تبريراً لمهادنتهم. نعم لو كان المشتوم نحن المسلمين لقبلنا
(1) الشفا - 2/ 464
(2) المقال بعنوان: من شتم محمداً فقد عرف محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد سبق نشره في بعض مواقع الشبكة العالمية الحاسوبية.