يظهره إظهاراً تقوم به الحجة عليه في الدنيا عومل بظاهره في الدنيا وعاقبه الله تعالى في الآخرة وحسبه جهنم وبئس المصير، فلم يكن لنا أن نتقدم بين يدي لله تعالى بعقوبة غير التي قرر سبحانه وتعالى أنها حسب هؤلاء، فإن مثلهم مثل الفئران في جحورها إن ظهرت ظهرت سريعاً وعادت إلى جحورها سريعاً فلم يكن هناك من داعٍ لتعقبها وقتلها خارج جحورها بل يُصار إلى تسميم جحورها لتموت وتتعفن فيها، ولله الحمد من قبل ومن بعد.
فكل ما عهده الناس شتماً أو سباً أو تَنَقُصاً فإنه سبٌ يترتب عليه حكمه وعقوبته الشرعية حتى لو كان السب يوافق معتقد الكافر الذي يُبطنه في قلبه، فان الكفر ليس مستلزماً للسب، وقد يكون الرجل كافراً ليس بسابٍّ والناس يعلمون علماً عاماً أن الرجل قد يبغض الرجل ويعتقد فيه العقيدة القبيحة ولا يسبه، وقد يضم إلى ذلك مسبته. والحاصل أنه ليس كل ما يُحتمل اعتقاداً يُحتمل قولاً، وليس كل ما يُحتمل أن يُقال سراً يُحتمل أن يُقال جهراً، والمعنى أن أهل الذمة مثلاً يُقرون على دينهم بشرط عدم المجاهرة به ونحن نعلم أن من دينهم تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا المعتقد نحتمله منهم في السر والباطن ولا نقبل ولا نحتمل ولا نرضى منهم إظهار ذلك والإعلان به والقول به جهراً، فليس على ذلك العهد بيننا وبينهم، هذا في أهل الذمة، فما بالك بالمحارب والمستأمن! والكلمة الواحدة تكون في حالٍ سباً وفي حالٍ ليست بسب، فمن ذكر في مناظرة أنه لا يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم حاكياً معتقده ليس كمن تكلم بتكذيب نبوة محمد صلى الله عليه وسلم على وجه التنقص والاستهزاء وأنه حاشاه صلى الله عليه وسلم ليس أهلاً لاختيار الله له تلك المنزلة، فالأول ليس بسب والثاني سبٌ واضح لا مرية فيه. فعُلم أن هذا يختلف باختلاف الأقوال والأحوال، وإذا لم يكن للسب حدٌ معروف في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى عُرف الناس؛ فما كان في العرف سباً فهو للنبي سب وهو الذي يجب أن ينزل عليه حكم الصحابة والعلماء في الساب، وما لم يكن في العرف سباً فلا. وهذه جملةٌ من أقسام السب الخبري نذكرها للمثال لا حكايةً عن سب الرسول صلى الله عليه وسلم:
1.إظهار التنقص والاستهزاء: كالتسمية ببعض أسماء الحيوانات، أو الوصف بالمسكنة والخزي والمهانة أو الإخبار بأنه في العذاب وأن عليه آثام الخلائق ونحو ذلك.
2.إظهار التكذيب على وجه الطعن في المكذَّب: مثل وصفه بأنه ساحرٌ خادعٌ محتال، وأنه يضر من اتبعه، وأن ما جاء به كله زور وباطل وشر ونحو ذلك، فإن نظم ذلك شِعراً كان أبلغ في الشتم، فإن الشعر يُحفظ ويروى وهو الهجاء، وربما يؤثر في نفوسٍ كثيرة مع العلم ببطلانه أكثر من تأثير البراهين، فإن غنَّى به بين ملأ من الناس فهو الذي قد تفاقم أمره، وأما إن أخبر عن مُعتَقَدِه بغير طعنٍ فيه مثل أن يقول: أنا لست متبعه أو لست مصدقه أو لا أحبه أو لا أرضى دينه ونحو ذلك، فإنما أخبر عن اعتقاد أو إرادة لم يتضمن انتقاصاً،