فهرس الكتاب
الصفحة 75 من 83

صلى الله عليه وسلم إلى التخلف الحضاري لعرب الجزيرة ونحو ذلك من المعلومات التي لا بد لحصولها في ذهن الشاتم من اطلاع على شيء من حياة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إن مثل هذا مثل من جاء إلى أحدنا فشتم أباه باسمه فقال له: إنك تشتم أبي لأنك لا تعرفه ولأني قصرت معك في تعريفك بمناقب أبي فهلا تفضلت بالجلوس معي حتى أستطيع أن أعرفك بذلك كله عسى أن تكف عن شتم أبي؟ أي عاقل يقبل مثل هذا في حظ نفسه وأبيه حتى نقبله في حق أكرم الخلق على الله تعالى، سبحانك هذا بهتان عظيم.

إن من شتم محمداً صلى الله عليه وسلم فقد عرف محمداً، نعم، قد لا يكون عرفه حق المعرفة، لكنه لم يتوجه بسبه وشتمه إلى معدومٍ في ذهنه، ولم يتوجه بحقده ولؤمه إلى وهمٍ في مخيلته، وإن مَن هذا حاله مظنة قول الله تعالى:"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً" [1] ، فليعش هؤلاء المجرمون كالفئران يفرون من جحر إلى جحر، ويهلعون لرؤية مسلم يخشون انقضاضه عليه، أو أي جندٍ آخر من جند الله عز وجل، وما يعلم جنود ربك إلا هو، أما أن يهنأ هؤلاء بمهرجانٍ ثقافي سخيف أو بدعوة لحضور مؤتمر حوار أديان، أو أن يكون غاية انتصارنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ترك بعض مأكولاتهم ومشروباتهم، فليس مما ننتصر به لرسولنا صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، بل ليس مما يقبله أحدنا انتصاراً لنفسه أو أبيه أو قومه، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا فليُفق هؤلاء وليُعلم أن المقام مع هؤلاء مقام ردعٍ وترهيب لا مقام دفع شبهات وتعليم، وقد قال الشاعر:

ووضع الندى في موضعِ السيفِ بالعلا مُضِرٌ، كوضع السيف في موضع الندى

والحاصل أنَّ مَن شتم النبي صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه مكانه صلى الله عليه وسلم من الدين وإلا لم يتوجه بالسب إليه إغاظةً لنا، ومثل هؤلاء يحتاجون أن يُعرفوا بحقه بإرغام أنوفهم لأنهم ليسوا من جنس المتأول صاحب الشبهة فيتوجه إليه بالبيان، وإنما هم من جنس المحارب المعلن ببغضه فيتوجه إليه بالسنان، في حين تتوجه الدعوة بالبيان والتعريف به وبسيرته صلى الله عليه وسلم للكفار الجهال جهلاً محضاً متجرداً عن إيذاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

الشبهة الرابعة: أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم يكفر إذا كان مستحلاً للسب أما إذا لم يكن مستحلاً له فإنه يفسق فقط ولا يكفر:

(1) سورة الأحزاب - 57

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام