والتوبة" [1] . قلت: وهذا الحديث يكاد يكون نصاً في الباب، فصورته هي عين المسألة التي بين أيدينا، والحقيقة إن من تأمل المسألة من جهة حق النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين الكافر الأصلي والذمي والمسلم إن وقع من أحدهم سب النبي صلى الله عليه وسلم."
فهذه ثلاثة أدلة مستقلة تضاف إلى ما تقدم من أدلة من القرآن والسنة الدالة على تحتم قتل الساب، وهي هنا تكاد تكون نصاً في مسألة الساب الكافر إن جاء مسلماً. والذي يترجح والعلم عند الله تعالى أن الكافر إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء مسلماً، فإنه يُقتل بسبب سب النبي صلى الله عليه وسلم لا فرق بينه وبين المرتد كما تقرر وتقدم آنفاً، والنكتة هنا كالنكتة هناك من حيث تعلق السب بحق النبي صلى الله عليه وسلم ولا مسقط له بعد موته، ومن حيث واجب التعظيم والتوقير والإجلال للنبي صلى الله عليه وسلم ومن حيث دلالة حوادث السنة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مريداً قتل هؤلاء مع ما عُلم من سنته من العفو عند المقدرة، والله تعالى أعلم.
والحاصل هنا أننا لم نفرق بين المرتد والكافر الأصلي إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يتحتم قتله متى أمكن ذلك، إذ لا معنى للتفريق بين نوعي الكفار، ولئن تنزلنا مع القول بأن للذمي نوع عهد وأمان يوجب له حقاً فإن حقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى وأعظم وأحرى أن يراقَب من الحق المزعوم لذلك الساب، والحمد لله.
إننا مع كل ما قدمنا من أدلة نجد أنفسنا اليوم أمام تراكماتٍ من الشبهات وسُحب التضليل التي تريد أن تتقدم بين يدي الله ورسوله برأي، وأن تواجه نصوص الشريعة باجتهاد تزين لها أنفسها أنه أنسب لروح العصر وأوفى بمتطلباته وأليق بحضارته، وحسبنا في هذا المقام أن نضع نصب أعيننا منهج الصحابة رضوان الله عليهم في التعامل مع نصوص الوحي ولو كان حديث النفس وداعية الرأي على خلافها، ففي الصحيح عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال:"يا أيها الناس، اتهموا"
(1) الصارم المسلول - 3/ 779 - 781 باختصار