فهرس الكتاب
الصفحة 6 من 83

الفصل الأول: مكانة النبي صلى الله عليه وسلم الواجبة في قلوب المؤمنين

إن أول واجبٍ يتعين على المرء تحقيقه في مقام الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم هو تحديد مكان النبي صلى الله عليه وسلم من قلوبنا وأنفسنا وأزواجنا وأولادنا وأهلونا وجميع دنيانا. وإن النصوص الشرعية مستفيضة في هذا المقام، ولا بد من سرد ما يتيسر منها على كثرتها لأن كلاً منها يحقق معنىً إضافياً وتشريفاً واجباً وتعزيراً لازماً لمقام النبوة، بحيث لا يمكن لمؤمن أن يستغني عن كل إضافة لحقٍ النبي صلى الله عليه وسلم يضيفها نصٌ شرعي أو خطابٌ تكليفي، ولست أخشى إطالةً في السرد إذ لا مكان لما يُخشى منه في العادة من حدوث الإملال بالإطناب، فإن هذا المحذور منتفٍ في حق نبينا صلى الله عليه وسلم، بل على من تململ من شيء من خصوصياته أن يخشى على قلبه المرض وعلى دينه الضياع، نسأل الله السلامة والعافية. أما المؤمن فدأبه عند كل نصٍ شرعي متعلق بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل عن اثنين: أي حقٍ يضيفه هذا الخطاب إلى حقوق النبي صلى الله عليه وسلم، وهل أنا ملتزم بأداء هذا الحق على قلة بضاعتي وتقصيري فيه؟ فدأب التابعِ المحبِّ لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يدور بين هاتين المسألتين أعني التعرف على حقوقه صلى الله عليه وسلم والسعي الجاد في أدائها، لا يمنعه عن تعرف حقوقه صلى الله عليه وسلم كلٌّ ولا فتور، لا يثنيه عن أداء هذا الحق تعبٌ ولا قصور، والله المستعان.

أولاً: مكان الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى:"الذين كفروا وصدُّوا عن سبيل الله أضلَّ أعمالهم. والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نُزِّل على محمد وهو الحق من ربهم كفَّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم" [1] ، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى (وآمنوا بما نُزل على محمد) :"عطف خاصٍ على عام، وهو دليلٌ على أنه شرط في صحة الإيمان بعد بعثته صلى الله عليه وسلم" [2] ، وقال الإمام البيضاوي رحمه الله:"تخصيصٌ للمنزَّل عليه مما يجب الإيمان به تعظيماً له وإشعاراً بأن الإيمان لا يتم دونه وأنه الأصل فيه" [3] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار" [4] ، وجاء في ترجمة الحديث (باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته) ، ورواه البزار عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار" [5] ، فقال (يؤمن بي) ، أي بمحمد صلى الله عليه وسلم، وترجم للحديث الإمام النسائي بقوله تعالى:"ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" [6] " [7] ،"

(1) سورة محمد - آية 1 - 2

(2) تفسير ابن كثير - 4/ 173

(3) تفسير البيضاوي - 5/ 188

(4) صحيح مسلم - 1/ 134

(5) مسند البزار - 8/ 58

(6) سورة هود - آية 17

(7) السنن الكبرى - النسائي - 6/ 363

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام