فهرس الكتاب
الصفحة 52 من 83

بعد شتم نبيهم إذا لم ينتصروا له صلى الله عليه وسلم بتربص الشاتم والساب بكل ما يملكون من أسباب القوة والرهبة، حتى إذا ظفروا به أخذوه أخذاً وبيلاً وقتَّلوه تقتيلاً ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.

20.قوله تعالى:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّع أيدِيهِم وأرجُلُهُم مِن خِلافٍ أو يُنفَوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا" [1] ، وهذه الآية أصلٌ في حدِّ الحرابة، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:"المحاربة: هي المضادة والمخالفة وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر" [2] ، وقال رحمه الله:"وليست تُحرز - أي تمنع - هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله ثم لحق بالكفار قبل أن يُقدر عليه، لم يمنعه ذلك أن يُقام عليه الحد الذي أصاب" [3] ، قلت: أي ولو تاب فإن التوبة تُسقط حق الله عز وجل ولا تُسقط حق العباد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكر الآية:"فوجه الدلالة أن هذا الساب المذكور من المحاربين لله ورسوله الساعين في الأرض فساداً الداخلين في هذه الآية سواء كان مسلماً أو معاهداً، وكل من كان من المحاربين الداخلين في هذه الآية فإنه يقام عليه الحد إذا قدر عليه قبل التوبة سواء تاب بعد ذلك أو لم يتب، فهذا الذمي أو المسلم إذا سب ثم أسلم بعد أن أُخذ وقُدر عليه قبل التوبة فيجب إقامة الحد عليه، وحدُّه القتل فيجب قتله سواءٌ تاب أو لم يتب" [4] ، قلت: وسيأتي مزيد بيان لمسألة عدم استتابة شاتم النبي صلى الله عليه وسلم ولكن المقصود هنا بيان وجه دخول الساب في المحاربين لله ورسوله مع ما يترتب على ذلك من النكال العظيم، ولا يماري عاقل فضلاً عن مسلم في أن سب النبي صلى الله عليه وسلم هو من أشد المحاربة لله ورسوله ومن أعظم الإفساد في الأرض، فلا تردد في دخوله في وعيد هذه الآية والله تعالى أعلم.

فهذه عشرون دليلاً من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تدل دلالة صريحة صحيحة على أن من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبٍ أو شتمٍ فقد انتقض إيمانه وزال أمانه ووجب قتله فهو كافر محارب يستحق وعيد الدنيا والآخرة جزاءً وفاقاً على ما اجترأ عليه من جريمة شنعاء قبيحة.

ثانياً: أدلة السنة النبوية على انتقاض إيمان وأمان الساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوب قتله:

إن ما تقدم من الأدلة القرآنية شافٍ كافٍ في تقرير مسألتنا، غير أن السنة النبوية المطهرة جاءت شارحةً للقرآن مبينةً لمبهمه، ومفصلةً لمجمله، ومخصصة لعمومه، ومقيدةً لمطلَقِه، ومؤكدةً لأحكامه، ومُشرِّعةً لأحكام مستقلةٍ، ولما كان هذا شأن السنة فمن المهم النظر في أدلتها المتعلقة بمسألتنا كي تستبين لنا الضوابط الشارحة لتطبيق ما تقدم تقريره بالأدلة القرآنية، حتى لا تبقى شائبة أو شبهة في ذهن المكلف، ولينظر كيف كان تطبيق رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأدلة القرآنية.

(1) سورة المائدة - آية 33

(2) تفسير ابن كثير - 2/ 48

(3) تفسير ابن كثير - 2/ 49

(4) الصارم المسلول - 3/ 709

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام