فهرس الكتاب
الصفحة 80 من 83

(الحاكم) فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، ومنهم من نذر قتل الساب مع أنه ليس من السلطة المخولة بإقامة وتنفيذ الحدود الشرعية فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، ومنهم من استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم بالحيلة والمكر وصولاً إلى الإغارة على الكافر الساب في عقر داره متوهماً أمانه فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ومنهم من خرج بأمر (الدولة) دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية صغيرة تغزو عقر دار الكافرين المتفوقين عدداً وعدةً فيما يشبه اليوم فرق المغاوير [1] لتنفيذ حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قتل شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم كائناً من كان وفي أي مكان كان، ومنهم من كُسرت ساقه في سياق ذلك، ومنهم من فدى بنفسه وأمه في ذلك فأقرهم الوحي على ذلك كله، روي عن حسان بن عطية قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم ابن رواحة وخالد، فلما صافّوا المشركين أقبل رجلٌ منهم يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من المسلمين: أنا فلان بن فلان، وأمي فلانة، فسبَّني وسب أمي وكُفَّ عن سب رسول الله. فلم يزده ذلك إلا إغراءً، فأعاد مثل ذلك، وأعاد الرجل مثل ذلك، فقال لئن عدت الثالثة لأرحلنك بسيفي، فعاد فحمل عليه الرجل، فولى الرجل مدبراً فأتبعه الرجل حتى خرق صف المشركين فضربه بسيفه، فأحاط به المشركون فقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أعجبتم من رجلٍ ينصر الله ورسوله"، ثم إن الرجل برأ من جراحته فأسلم وكان يسمى الرحيل" [2] ، نعم، أعجبتم من رجلٍ ينصر الله ورسوله، ويفدي بعرضه عرض محمد صلى الله عليه وسلم، ويخترق صفوف الكفار موقناً بالهلاك متتبعاً ذلك المجرم الساب للرسول صلى الله عليه وسلم."

قلت: لن تعدم أمة الإسلام اليوم أمثال هذا، فانظر يا رعاك الله في سيرة الصدر الأول من الصحابة والتابعين كيف كان هديهم في الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اعقد القلب على متابعتهم وأعد العدة للعمل على سننهم دون انتظار إذن أحد، فتلك علامة صدق القلب، قال تعالى:"إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون. ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عُدةً ولكن كرِه الله انبعاثهم فثبَّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين" [3] ، فلا يكن حالنا كحال المنافقين وليكن دأبنا دأب خير القرون الذين آووا ونصروا ووقَّروا وعزَّروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا خير الحواريين لخير رسل الله أجمعين.

وختاماً، فهذا جهد المُقصِّر وزاد المُقِل، فأسأله سبحانه وتعالى أن يجبر الكسر ويعفو عن الزلل، وأن يجعل ما كتبناه خالصاً لوجهه الكريم، موجباً لرضوانه العظيم، وأن يجعله من جنس الانتصار لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وها نحن نعلن على الملأ أننا جنده المخلصون رهن أمره وإشارته، متى أمرنا ببذل نفوسنا بذلناها، ومتى أمرنا بسفك الدماء سفكناها، ننتهي بنهيه، ونأتمر بأمره صلى الله عليه وسلم، ولا نتقدم بين يديه بشيء من تفاهات عقولنا ولا شهوات نفوسنا، وكل غالٍ في سبيل توقيره وتعظيمه وإجلاله رخيص، وكل أمر الدنيا في مقابل أن يُشاك بشوكة في قدمه حقير، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين مِن قبلنا، ربنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت

(1) ويسمون بالأجنبية: الكوماندوز

(2) مكارم الأخلاق - ابن أبي الدنيا - 1/ 62

(3) سورة التوبة - آية 45 - 46

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام