عليه مسالك شتى في التعامل مع صعاليك الكفر المتجرأين على عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولست أنازع في حسن نية المخلصين نحسبهم والله حسيبهم، ولكننا ننازع في مسلك اللين والمفاوضة بالحجة والبرهان مع من حقه المقارعة بالسيف والسنان، فلما وجدنا هذا التنازع التزمنا بأمر الله تعالى حيث قال:"يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً" [1] ، فتحاكمنا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فوجدنا فيه حكم هؤلاء تكفيراً وتقتيلاً فالتزمنا به عقيدةً ندين لله تعالى بها وننصر نبينا صلى الله عليه وسلم بها، ونحن ندعو كل مسلم إلى اعتقاد حكم الله تعالى في هؤلاء ونشره على الملأ كي يتسنى لنا الاجتماع على تعاطي أسباب تطبيق هذا الحكم، ولربما كان من بركة النبوة أن يكون الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم عقيدةً وعملاً بداية عودة إلى تحكيم دين الله وشريعته عقيدةً وعملاً، فإذا بنور النبوة يشرق في نفوسنا من جديد لتضيء الدنيا بشمس الرسالة كما أضاءت منذ أربعة عشر قرناً، ولتتراجع كائنات الظلام إلى جحورها، وينقطع دابر الكفر ويُقمع طواغيته من جديد. ولعمر الحق إذا لم نجتمع اليوم على نصرة النبي صلى الله عليه وسلم بما جاء به صلى الله عليه وسلم فمتى نجتمع؟ وإذا أخضعنا غضبنا اليوم للنبي صلى الله عليه وسلم لبروتوكولات الأمم الطاغوتية والأعراف الدولية فمتى يتحرر الإنسان من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد؟
ثم ما بال البعض منا اليوم يشكك في أهمية بث العقيدة الصحيحة والموقف الصحيح بحجة تعذر العمل؟ ومن قال إن انعقاد حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في القلب ليس عملاً، ومن قال إن هذا الانعقاد لا يورث من العز والمنعة ما يظهر معه أثره باللسان والجوارح، فإذا بعقيدة الإيمان تزمجر في أرجاء الكون، فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من نبيٍ بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب؛ يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلوف، يقولون مالا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" [2] ، قلت: فهذا صريح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدنى مراتب الإيمان اعتقاد الحكم بالقلب ثم يكون السعي بنشر الحكم باللسان ثم يكون تطبيقه باليد، ولئن تعذر الأخيران لظرف ما، فما العذر في عدم انعقاد القلب على حكم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل! ولئن كان الجهاد باللسان واليد مقدراً بالاستطاعة فإن جهاد القلب وغضبه للحق لا يكون إلا تاماً كاملاً لا تردد فيه ولا اختلاج، ولا مراعاة ولا مداهنة، فمن لم يجد في قلبه الغضب الكامل تجاه انتهاك حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليخشَ على نفسه، فإن هذا لا يتقدر بالاستطاعة إذ لا مُكرِه لقلبه ولا سيطرة لأحد عليه إلا الله عز وجل، والله تعالى لا يحول بين المرء وبين الإنكار القلبي التام أعني بطبيعة الحال قلب المرء المؤمن.
غير أننا ننبه على أمر دقيق هنا، وهو أن إهدار دم شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم يفتح الباب واسعاً أمام كل واحدٍ من جند الرسول صلى الله عليه وسلم للفوز بشرف نصرته، وقد تقدم معنا في الأدلة أن من الصحابة من تقدم بقتل شاتمة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الرجوع إلى
(1) سورة النساء - آية 59
(2) صحيح مسلم - 1/ 69