الاذى فإنه مستحقٌ للعقوبة في الدنيا والنار في الآخرة، وما من عقوبة في الدنيا تليق بهذا الشاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير القتل على ما نبينه لاحقاً إن شاء الله، أما انتقاض إيمانه وأمانه فلا إشكال فيه بحمد الله.
18.قوله تعالى:"يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوَّكم أولياء تُلقون إليهم بالمودةِ وقد كفروا بما جاءكم مِن الحق يُخرجون الرسولَ وإياكم أن تؤمنوا بالله ربِّكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تُسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضلَّ سواء السبيل" [1] ، ووجه الدلالة من هذه الآية من وجوه (أولها) أن الله تعالى قرن عداوة المؤمنين بعداوته سبحانه وتعالى ولا شك أن أولى المؤمنين وسيدهم وإمامهم في هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فمن عاداه فقد عادى الله ومن عادى الله استحق الحرب والقتل، و (منها) أن الله تعالى نهى عن موالاة هؤلاء الأعداء الآتية صفتهم في الآية، ونهي المؤمنين عن الموالاة إنما يكون مع الكافر لأن المؤمن لا يُنهى عن موالاة المؤمن كما هو مقررٌ ومستفيض في آيات القرآن، و (منها) أن هذه العداوة جاءت منعوتة موصوفة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من بلده وهذا نوع أذى، فكل أذى مِن جنسه أو أشد منه كالسب والشتم يكون أبلغ في تقرير العداوة تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى (يُخرجون الرسول وإياكم) :"هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم، لأنهم أخرجوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من بين أظهرهم كراهةً لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده" [2] ، قلت: فكيف بمن يسبه ويشتمه ويقع في عِرضه صلى الله عليه وسلم، و (منها) أن تعليق الجهاد في سبيل الله وهو القتال على قطع الموالاة مع هؤلاء الأعداء الذين آذوا النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد أن هؤلاء كفارٌ لا إيمان لهم ولا أمان لأن الجهاد أي القتال في سبيل الله وتقصُّد قتلهم ينصرف إلى هؤلاء. والحاصل أن هذه الآية قد قطعت كل وشيجة وصلة بين المؤمنين وبين من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي نوع من أنواع الأذى سواء أكان ما صرحت به الآية من إخراجه صلى الله عليه وسلم من مكة أم كان غيره من أنواع الأذى كالهجاء والسب والتنقص بل هذا أولى كما لا يخفى.
19.قوله تعالى:"وأعِدُّوا لهم ما استطعتم مِن قوةٍ ومِن رباط الخيل تُرهبون به عدوَّ الله وعدوكم" [3] ، قال الإمام الطبري رحمه الله:"يقول تعالى ذِكره: وأعدوا لهؤلاء الذين كفروا بربهم الذين بينكم وبينهم عهد إذا خفتم خيانتهم وغدرهم أيها المؤمنون بالله ورسوله ما استطعتم من قوة، يقول: ما أطقتم أن تعدوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم من السلاح والخيل، (ترهبون به عدو الله وعدوكم) يقول: تخيفون بإعدادكم ذلك عدو الله وعدوكم من المشركين" [4] ، قلت: وهذا لا يخفى أنه إعداد للقتال والقتل لأولئك المحاربين الناقضين للعهد والناكثين للإيمان والأيمان، وأي عداوة أشد من سب النبي صلى الله عليه وسلم وإعلان ذلك وإظهاره على الملأ في كل ما تيسر لهؤلاء المجرمين من وسائل الإعلان المسموع والمقروء والمرئي جهاراً نهاراً، ينفثون كل حقدهم ضد من بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وشرفه على سائر خلقه أجميعن، أليس هذا المجرم الساب والشاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذاً أولى الناس بأن يعيش حال الخوف والإرهاب وهو يعلم تربص المؤمنين به لقتله ودحره وقطع دابره. ولئن لم يصدق على ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاتمه ومتنقصه والطاعن فيه والواقع في عرضه وفي أزواجه الطاهرات المطهرات أنه عدو لله وعدو للمؤمنين فعلى من يصدق وصف العداوة؟ بل ما بقاء المؤمنين
(1) سورة الممتحنة - آية 1
(2) تفسير ابن كثير - 4/ 348
(3) سورة الأنفال - آية 60
(4) تفسير الطبري - 10/ 29