بنص الآية" [1] . وقال رحمه الله:"وأما من طعن في الدين فإنه يتعين قتاله، وهذه كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يهدر دماء من آذى الله ورسوله وطعن في الدين وإن أمسك عن غيره" [2] . فهؤلاء المجرمون ليس حالهم كحال الكافر الحربي الذي تجرد عن الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وسبه، وقد تقدم تقرير ذلك، وعُلم أن هذا القدر الزائد على مجرد الكفر أعني السب والشتم والتنقص من مقام النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي لأجله أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماء من قارف ذلك مع كونهم متلبسين بموجبات أخرى للقتل، وهذا الطعن هو الذي جعل هؤلاء أئمة في الكفر، بحيث حثَّت الآية هنا على قتلهم خصوصاً مما يشعر بقدر جنايتهم الزائد على مجرد الكفر، وهذا كله واضح بحمد الله وتوفيقه."
4.قوله تعالى:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله" [3] ، ووجه الدلالة أن إعلاء كلمة الله وتطهير الأرض من الطاعنين في دينه ورسوله مطلوبٌ شرعاً كما بينت الآية، وهذا المطلوب متعذرٌ بغير قتل الساب. وتحقيق ذلك كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية:"أن تطهير الأرض من إظهار سب رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبٌ حسب الإمكان، لأنه من تمام ظهور دين الله وعلو كلمة الله وكون الدين كله لله، فحيث ما ظهر سبُّه ولم يُنتقم ممن فعل ذلك لم يكن الدين ظاهراً ولا كلمة الله عالية، بخلاف تطهيرها من أصل الكفر فإنه ليس بواجب لجواز إقرار أهل الكتابين على دينهم بالذمة؛ لأن إقرارهم بالذمة ملتزمين بجريان حكم الله ورسوله عليهم لا ينافي إظهار الدين وعلو الكلمة، بل هو من ظهور الدين وإعلائه لأنهم يقَرُّون على دينهم بالذمة صاغرين منقادين لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم خلافاً للساب" [4] .
5.الأحاديث المتقدمة التي قتلت فيها نساء كافرات بسبب السب مع أن الكافرة لا يحل قتلها لمجرد كفرها: وقد تقدم حديث قتل الأعمى لأم ولده لأنها شتمت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم أهدر دمها، وكذلك أمر صلوات الله وسلامه عليه بقتل القينتين اللتين كانت تغنيان بهجائه، وهذه الأحاديث من أقوى الأدلة على أن تعين القتل هو لخصوص السب والشتم، فإن المرأة الكافرة لا يجوز قتلها فهي معصومة بالأنوثة [5] ، فلما أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماء هؤلاء النسوة وحث على قتلهن تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن سب النبي صلى الله عليه وسلم هو وحده السبب المتمحض لقتل هؤلاء النسوة لا مجرد الكفر، فتأمل هذا فهو عظيمٌ في بابه.
6.إن سب الرسول صلى الله عليه وسلم أشد من مجرد الردة: ذكر ابن تيمية هذا الدليل فقال:"إن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونه من جنس الكفر والحراب أعظم من مجرد الردة عن الإسلام، فإنه مِن المسلمِ ردةٌ وزيادة كما تقدم تقريره، فإذا كان كفر المرتد قد تغلَّظ لكونه قد خرج عن الدين بعد أن دخل فيه فأوجب القتل عيناً، فكفر الساب الذي آذى الله ورسوله وجميع المؤمنين من عباده أَولى أن يتغلَّظ فيوجب القتل عيناً، لأن مفسدة السب في أنواع الكفر أعظم من مفسدة مجرد الردة. وقد اختلف الناس في قتل المرتدة وإن كان المختار قتلها، ونحن قد قدمنا نصوصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في قتل السابة الذمية وغير الذمية، والمرتد يستتاب من الردة ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قتلوا الساب ولم يستتيبوه، فعُلم أن كفره أغلظ فيكون تعيين قتلِه"
(1) الصارم المسلول - 2/ 38
(2) الصارم المسلول - 2/ 36
(3) سورة البقرة - آية 193
(4) الصارم المسلول - 2/ 539 بتصرف
(5) وتأمل هذا الحكم الشرعي الذي جعل الأنوثة عصمة للنساء الكافرات من القتل ثم تأمل في التصرفات الهمجية للدول الصليبية والملحدة التي تنادي بحقوق المرأة وهي تنتهك دماء وأعراض النساء ليل نهار في بلادها وفي بلادنا، ثم تأمل في تلك النساء اللواتي يأبين إلا أن يخلعن ثوب الأنوثة ليكتسين بثوب الرجولة الملعون في حقهن، نسأل الله السلامة والعافية.