فهرس الكتاب
الصفحة 55 من 83

إلى أولياء المقتول، فإما أن يقتلوا أو يعفوا أو يأخذوا الدية، وهذا ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على أنه لم يُقتل قوداً، وكذلك لم يُقتل لمجرد الردة لأن المرتد يُستتاب واذا استنظر أُنظر، وهذا ابن خطل قد فرَّ إلى البيت عائذاً به طالباً للأمان تاركاً للقتال ملقياً للسلاح حتى يُنظر في أمره، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد علمه بذلك كله أن يُقتل، وليس هذا سنة من يُقتل لمجرد الردة، فثبت أن هذا التغليظ في قتله إنما كان لأجل السب والهجاء، وأن الساب وإن ارتد فليس بمنزلة المرتد المحض بل يُقتل قبل الاستتابة، ولا يُؤخر قتله، وذلك دليل على جواز قتله بعد التوبة" [1] ، قلت: وهذا تحريرٌ نفيس للمسألة وقد تبين منه أن موجب إهدار دمه كان السب دون غيره من موجبات القتل، وهو المطلوب."

4.حديث ابن عباس رضي الله عنهما:"أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول [2] فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام. فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جَعَلَت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا اشهدوا أن دمها هدر" [3] ، قال الشيخ العظيم آبادي:"وفيه دليل على أن الذمي إذا لم يكف لسانه عن الله ورسوله فلا ذمة له فيحل قتله، قاله السندي" [4] . وقال ابن تيمية رحمه الله:"وهذه المرأة إما أن تكون كانت زوجة لهذا الرجل أو مملوكةً له، وعلى التقديرين فلو لم يكن قتلها جائزاً لبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم له أن قتلها كان محرماً، وأن دمها كان معصوماً، ولأوجب عليه الكفارة بقتل المعصوم والدية إن لم تكن مملوكةً له. فلما قال: اشهدوا أن دمها هدر، والهدر الذي لا يُضمن بقَوَد [5] ولا دية ولا كفارة، عُلم أنه - أي قتلها - كان مباحاً مع كونها كانت ذمية، فعُلم أن السبَّ أباح دمها لا سيما والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أهدر دمها عقب إخباره بأنها قُتلت لأجل السب، فعُلم أنه الموجب لذلك والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك" [6] . قلت: نعم، القصة ظاهرة الدلالة على ذلك لمن أراد أن يصدر عن سنة المعصوم صلى الله عليه وسلم، أما من أراد أن يصدر عن داعية هواه ويسير وراء عقله المزعوم ومبتغاه، يداهن ويماري ويختلق الشبه والأعذار فما تغن النذر والآيات عن هؤلاء شيئاً والله المستعان."

5.حديث الشعبي عن علي رضي الله عنه:"أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فخنقها رجلٌ حتى ماتت، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها" [7] ، أي أهدره، قال الإمام الشوكاني رحمه الله:"وفي حديث ابن عباس - وهو"

(1) الصارم المسلول - 2/ 265 - 266 بتصرف يسير

(2) المغول سيف قصير

(3) سنن أبي داود - 4/ 129 وسكت عنه، وأخرجه الحاكم في المستدرك وصححه (4/ 394) ، والنسائي في الكبرى (2/ 304) ، والبيهقي في الكبرى (7/ 60) .

(4) عون المعبود شرح سنن أبي داود - العظيم آبادي - 12/ 11

(5) القود: القصاص من القاتل في القتل بشروطه

(6) الصارم المسلول - 2/ 145

(7) سنن أبي داود (4/ 129) وسكت عنه، وأخرجه الضياء في المختارة وقال إسناده منقطع، (2/ 169) ، قلت: يريد الخلاف في سماع الشعبي من أمير المؤمنين علي، وعلى فرض عدم السماع فإن الشعبي صحيح المراسيل عند المحدثين، قال ابن تيمية:"ثم إن كان فيه إرسالاً لأن الشعبي يبعد سماعه من علي فهو حجة وفاقاً، لأن الشعبي عندهم صحيح المراسيل، لايعرفون له مرسلاً إلا صحيحاً، ثم هو من أعلم الناس بحديث علي وأعلمهم بثقات أصحابه (الصارم المسلول - 2/ 127) ، وحديث ابن عباس المتقدم شاهد قوي لصحة هذاالمرسل على فرض الإرسال. وأخرج هذا الحديث الييهقي في الكبرى (7/ 60) ،"

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام