وقتل بعضهم" [1] ، ومن المعلوم أن المجاهرة بسب النبي صلى الله عليه وسلم ليست من الاستقامة على العهد في شيء، قال ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر الآية الكريمة:"نفى سبحانه أن يكون لمشركٍ عهدٌ ممن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عاهدهم إلا قوماً ذكرهم، فإنه جعل لهم عهداً ما داموا مستقيمين لنا، فعُلم أن العهد لايبقى للمشرك إلا ما دام مستقيماً، ومعلوم أن مجاهرتنا بالشتيمة والوقيعة في ربنا ونبينا وديننا وكتابنا يقدح في الاستقامة، كما تقدح مجاهرتنا بالمحاربة في العهد، بل ذلك أشد علينا إن كنا مؤمنين فإنه يجب علينا أن نبذل دماءنا وأموالنا حتى تكون كلمة الله هي العليا، ولا يُجهر في ديارنا بشيء من أذى الله ورسوله، فاذا لم يكونوا مستقيمين لنا بالقدح في أهون الأمرين فكيف يكونون مستقيمين مع القدح في أعظمهما" [2] ، قلت: تأمل فقه هذا الإمام العظيم، حيث جعل محاربة المشركين لنا بقتالنا واستباحة دمائنا أهون الأمرين وجعل سب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الأمرين وهو كذلك، هذا - كما قال رحمه الله - إن كنا مؤمنين، تأمل هذا الكلام النفيس ثم ابكِ على ما يظنه البعض اليوم نصرةً للنبي صلى الله عليه وسلم من دعوة لحوار الأديان وتخوفٍ من المبالغة في النكير على الشاتمين خشية تعثر عجلة التقدم في تعايش الأديان وتجاور الحضارات، فلا ينتهي العجب من هذا، نسأل الله السلامة والعافية."
14.قوله تعالى:"وإن نكثوا أيمانَهم مِن بَعد عهدِهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمةَ الكفر إنهم لا أَيمان لهم لعلهم ينتهون" [3] ، وإن الآية الكريمة تدل على انتقاض الإيمان والأمان ووجوب القتل من وجوه، (أولها) أن مجرد نكث الأيمان أي نقضها موجبٌ لانتقاض الأمان، و (منها) أن الطعن في الدين جريمة مستقلة زائدة على مجرد نقض العهد، و (منها) تسمية من ضم إلى نقض العهد طعناً في دين الإسلام إماماً في الكفر وهذا يستدعي قدراً زائداً من العقوبة الزاجرة الرادعة لأن إمام الكفر معلنٌ بمحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وداعية إلى الكفر فلا بد من كف أذاه عن الناس وهذا لا يتحقق إلا بقطع دابره، قال الإمام البيضاوي رحمه الله في قوله تعالى (فقاتلوا أئمة الكفر) :"أي فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع الضمير للدلالة على أنهم صاروا بذلك ذوي الرئاسة والتقدم في الكفر أحقاء بالقتل، وقيل: المراد بالأئمة رؤساء المشركين، فالتخصيص إما لأنَّ قتلهم أهم وهم أحق به، أو للمنع من مراقبتهم" [4] ، قلت: أي المنع من مراقبة العهد فيهم لأنهم أولى مَن نكث العهد بالقتل لعظيم خطرهم و (منها) توكيد الآية على أنه لا أمان لهؤلاء الكفار الطاعنين في الدين فيعودون إلى حكم الأصل من وجوب قتالهم، و (منها) تعليل هذا القتال برجاء انتهائهم عن الطعن في الدين والذي دلت عليه التجربة أن طعن هؤلاء في الدين لا ينتهي ولا ينقطع إلا بقطع دابرهم، و (منها) أن سب النبي صلى الله عليه وسلم هو من أعظم الطعن في الدين لأنه صلوات الله وسلامه عليه هو الواسطة بين الله عز وجل وبين الناس فبه بلَّغ الله تعالى دينه وعرَّف الناس أوامره ونواهيه، فمن طعن في نبينا صلى الله عليه وسلم بالسب فقد طعن في الله الذي أرسله ونقض أصل الدين، وفاعل هذا إمامٌ في الكفر لا بد من أن يُستراح منه، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى (وطعنوا في دينكم) :"أي عابوه وانتقصوه؛ ومن ههنا أُخذ قتلُ من سب الرسول ضلوات الله وسلامه عليه أو من طعن في دين الإسلام أو ذكره بنقص" [5] . والحاصل أن هذه الآية أصلٌ عظيم في
(1) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ابن قيم الجوزية - 1/ 12
(2) الصارم المسلول - 2/ 34 - 35
(3) سورة التوبة - آية 12
(4) تفسير البيضاوي - 3/ 133
(5) تفسير ابن كثير - 2/ 340