فهرس الكتاب
الصفحة 48 من 83

للمسلمين أن يتعاملوا به بينهم حفظاً لجنابه وتوقيراً وتعظيماً لمقامه صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الله تعالى منع مِن تزوُّج أزواجه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وسمى ذلك أذى للرسول صلى الله عليه وسلم وعظَّم قدر هذا الأذى مُشعراً بالوعيد الشديد لفاعله، فإنَّ ترتب هذا الوعيد على الشاتم من باب أولى، قال ابن تيمية رحمه الله:"فحرَّم على الأُمة أن تنكح أزواجَه من بعده لأن ذلك يؤذيه، وجعله عظيماً عند الله تعظيماً لحرمته. وقد ذُكر أن هذه الآية نزلت لما قال بعض الناس: لو قد تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجتُ عائشة. ثم إنَّ مَن نكح أزواجه أو سراريه فإن عقوبته القتل جزاءً له بما انتهك من حرمته فالشاتم له أولى" [1] ، قلت: وسيأتي دليل هذا أعني قتل من تزوج أحداً من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مبحث أدلة السنة إن شاء الله.

12.قوله تعالى:"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون" [2] ، تقدم معنا في تقديم هذا المبحث صفة أهل الذمة وأن حقن دماءهم بدخولهم في عقد الذمة مترتبٌ على أمرين هما؛ دفع الجزية للمسلمين، وانقيادهم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في دار الإسلام، وذكرنا بعض الشروط التي يشترط التزام أهل الذمة بها لسريان عقد الذمة وحقن دمائهم، وأن لازمها عدم الطعن في الإسلام وفي الله سبحانه وتعالى وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة من هذه الآية من وجهين (أولهما) أن الأصل في التعامل مع الكفار هو قتالهم، ومن حلَّ قتاله حلَّ قتله، ثم إن قتله يتعين بتعين الجريمة المستوجبة للقتل كما نبين لاحقاً، و (الآخر) أن من أعلن وأظهر سبه النبي صلى الله عليه وسلم ليس ملتزماًً بشروط العهد من الكف عن الطعن في دين الإسلام والتزام حال الصغار بالانقياد لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في دار الإسلام، قال ابن تيمية رحمه الله:"فمن المعلوم أن من أظهر سبَّ نبينا في وجوهنا وشتم ربنا على رؤوس الملأ منا، وطعن في ديننا في مجامعنا، فليس بصاغرٍ لأن الصاغر الذليل الحقير، وهذا فعلُ متعززٍ مراغم، بل هذا غاية ما يكون من الإذلال لنا والإهانة" [3] ، وقال الإمام الشافعي رحمه الله:"الصَغَار والله أعلم أن يجري عليهم حكم الإسلام" [4] ، قلت: ولا يخفى أن إظهار سب النبي صلى الله عليه وسلم مخالفٌ لجريان حكم الإسلام عليهم، قال القاضي عياض رحمه الله:"لأنا لم نعط الذمة أو العهد على هذا" [5] أي على إظهار سب النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: هذا كله بالنسبة للكافر الذمي، فإذا تأملنا أنه غير موجود اليوم كان حال الكافر المستأمن أو الحربي إذا أظهر سب النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الحكم وهو انتقاض أمانه إن كان مستأمناً وتعين قتله إن كان حربياً وظُفر به، والله أعلم.

13.قوله تعالى:"كيف يكون للمشركين عهدٌ عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم" [6] ، فهذه الآية الكريمة تبين حكم الكافر الحربي وأنه لا عهد له ولا أمان من الله ورسوله، بل يقاتَل حتى يسلم أو يعطي الجزية إن كان من أهلها أو يهادن على تفصيل مبسوط في كتب الفقه، ثم استثنى الله تعالى مَن كان له عهدٌ سابق مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان مستقيماً على شروط العهد ومقتضياته، قال الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله:"ولما قدم المدينة - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - صالح اليهود وأقرهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم؛ فمنَّ على بعضهم، وأجلى بعضهم،"

(1) الصارم المسلول - 2/ 120

(2) سورة التوبة - آية 29

(3) الصارم المسلول - 2/ 32 - 33

(4) أحكام القرآن - الشافعي - 2/ 79

(5) الشفا - 2/ 464

(6) سورة التوبة - آية 7

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام