والحاصل أنَّ إظهار السب دليلٌ ظاهر على الكفر فلم نعد محتاجين إلى الكشف عن السريرة والباطن، وهتِك الستر الظاهر الذي كان مانعاً من التكفير والقتل، فتأمل هذا فإنه دقيق.
3.قول الله تعالى مبيناً مصير المحاد لله ورسوله صلى الله عليه وسلم:"إن الذين يُحادُّون الله ورسوله أولئك في الأذلين" [1] ، وقال تعالى:"إن الذين يُحادُّون الله ورسوله كُبتوا كما كُبت الذين مِن قبلهم" [2] ، ووجه الدلالة هنا من وجوه (أولها) أن المحاد لله ورسوله كافرٌ معادٍ لله تعالى كما تقدم، و (منها) أنه وصف هؤلاء بالأذلين وهذا من أدنى دركات الذل الذي يتنافى مع بقاء الإيمان، وإنما يتماشى مع وصف الكفر والمحاربة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فدل على انتقاض الإيمان وتحقق أدنى دركات الكفر، قال ابن تيمية رحمه الله:"والمؤمن لا يُكبت كما كُبت مكذبوا الرسل قط" [3] ،و (منها) أن وصف الكبت يدل على شدة الغيظ من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يغتاظ منه إلا كافرٌ مغرقٌ في الكفر والعداوة، قال ابن تيمية رحمه الله:"يبين ذلك أن المنافقين هم من المحادين، فهم مكبوتون بموتهم بغيظهم، لخوفهم أنهم إن أظهروا ما في قلوبهم قُتلوا فيجب أن يكون كل محادٍّ كذلك" [4] ، فالساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محادٌ لله ولرسوله وهو مستحقٌ لكل أوصاف ونعوت الذل والكبت الواردة في الآية المختصة بالمنافقين والكفرة الفاجرين.
4.قول الله تعالى:"لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخِر يوادُّون مَن حادَّ اللهَ ورسولَه ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم" [5] ، فهذه الآية تدل على كفر مَن سب الرسول صلى الله عليه وسلم وانتقاض إيمانه إن كان قبل السب مسلماً وأمانه إن كان معاهداً، ووجه الدلالة من باب قياس الأولى حيث قال ابن تيمية رحمه الله:"فإذا كان من يوادّ المحاد ليس بمؤمن فكيف بالمحاد نفسه، وقد قيل إن من سبب نزولها أن أبا قحافة شتم النبي صلى الله عليه وسلم فأراد الصدِّيق قتلَه، وأن ابن أُبي تنقَّص النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن ابنُه النبيَّ صلى الله عليه وسلم في قتله لذلك، فثبت أن المحاد كافرٌ حلال الدم، وأيضاً فقد قطع الله الموالاة بين المؤمنين وبين المحادِّين لله ورسوله والمعادين لله ورسوله" [6] ، قلت: والسب والشتم من أعظم المحادة والعداوة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى. وقال الإمام البغوي رحمه الله في هذه الآية:"أخبر أن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكفار، وأن مَن كان مؤمناً لا يوالي من كفر وإن كان من عشيرته" [7] ، قلت: وهذا صريح في أن المحاد لله ورسوله صلى الله عليه وسلم بأذى أو سب أو شتم أو غيره من أنواع العداوة فإنه كافر لا تجوز موالاته كما لا تجوز موالاة سائر الكفار، بل هنا آكد لمكان العداوة والمحاربة الظاهرة لله والرسول صلى الله عليه وسلم.
5.قوله تعالى:"يحذر المنافقون أن تُنزَّل عليهم سورةٌ تبنئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرجٌ ما تحذرون. ولئن سألتهم ليقولنّ إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعفُ عن طائفةٍ منكم نعذب طائفةً بأنهم كانوا مجرمين" [8] ، ووجه الدلالة هنا من وجوه (أولها) أن الآية دلت صراحةٌ على أن الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم كفر، قال ابن تيمية رحمه الله:"وهذا نصٌ في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كُفرٌ، فالسب المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن"
(1) سورة المجادلة - آية 20
(2) سورة المجادلة - آية 5
(3) الصارم المسلول - 2/ 59
(4) الصارم المسلول - 2/ 52
(5) سورة المجادلة - آية 22
(6) الصارم المسلول - 2/ 59 - 60
(7) تفسير البغوي - 4/ 312
(8) سورة التوبة - آية 64 - 66