فهرس الكتاب
الصفحة 42 من 83

1.قول الله تعالى:"إن الذين يؤذون اللهَ ورسولَه لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً. والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" [1] ، ووجه الدلالة من هذه الآية لا يحتاج كثير نظر وتدبر وهو من وجوه، (أولها) أن الله تعالى قرن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذاه، كما قرن طاعته بطاعته، فمن آذاه فقد آذى الله تعالى، وقد جاء ذلك منصوصاً عنه، ومن آذى الله فهو كافر حلال الدم [2] ، و (منها) أن الله تعالى صرح بلعن الذين يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم والسب أذى فالساب ملعون، و (منها) أن هذا اللعن حاصلٌ في الدنيا والآخرة مما يشير إلى أن العذاب المتوعَّد به واقعٌ بمن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، قال ابن تيمية رحمه الله في معرض الكلام على انتقاض عهد الذمي بالسب وترتب القتل عليه:"كذلك هنا سبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث هو جنايةٌ منفصلةٌ عن نقض العهد، له عقوبةٌ تخصه في الدنيا والآخرة زائدةٌ على مجرد عقوبة التكذيب بنبوته، والدليل عليه قوله سبحانه:"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً"، فعلَّق اللعنة في الدنيا والآخرة والعذاب المهين بنفس أذى الله ورسوله فعُلم أنه موجِب ذلك" [3] قلت: أي سبب قتل الساب هو نفس السب لا مجرد الكفر أو انتقاض العهد، و (منها) أن وصف العذاب بالمهين يجري في القرآن الكريم وعيداً للكفار مما يدل على كفر من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و (منها) أن الآيتين فرقتا في العقوبة بين أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذى سائر المؤمنين إذ قرن الأول بأذى الله مباشرة ورتب عليه اللعنة في الدنيا والآخرة في حين رتب الإثم على أذية المؤمنين وذلك أن أذية المؤمنين فسقٌ كما في الحديث:"سباب المسلم فسوق" [4] ، والآية فرقت بين أذى المؤمنين وأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يبقى إلا أن يكون أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل إثماً وهذا باطل فلم يبق إلا أن يكون أعظم إثماً وليس فوق الفسق إلا الكفر، وهو المطلوب.

2.قوله تعالى:"ومنهم الذين يؤذون النبيَّ ويقولون هو أُذن قل أُذُن خيرٍ لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمةٌ للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسولَ الله لهم عذابٌ أليم. يحلفون بالله لكم لِيُرضوكم والله ورسولُه أحق أن يُرضوه إن كانوا مؤمنين. ألم يعلموا أنه من يحادِدِ اللهَ ورسولَه فأنَّ له نارَ جهنم خالداً فيها ذلك الخزيُ العظيم" [5] ، ووجه الدلالة هنا من وجوه (أولها) توعُد الله تعالى من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعذاب الأليم، والسبُّ أذى بالقول كما لا يخفى، و (منها) أنه رتب على وصف الأذى وصف المحادة لله ورسوله، قال ابن تيمية:"فعُلم أن إيذاء رسول الله محادةٌ لله ولرسوله، لأن ذِكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة فيجب أن يكون داخلاً فيه" [6] ، وقال رحمه الله:"المحادَّة هي المعاداة والمشاقَّة، وذلك كفرٌ ومحاربةٌ فهو أغلظ من مجرد الكفر، فيكون المؤذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كافراً عدواً لله ورسولِه محارباً لله ورسوله" [7] ، و (منها) أن هذه الآية نزلت فضيحةً للمنافقين ومعلومٌ أن المنافق يعامَل معاملة المسلم في الظاهر، ولكن لما فضح الله سريرته وكشف باطنه صار حكمه حكم الكافر، لأنه بإظهار سب النبي صلى الله عليه وسلم يكون قد وافق ظاهرُه باطَنه من حيث الكفر، وانتفى السبب الذي كان مانعاً من إجراء حكم الكافر عليه وهو تستره بالإسلام في الظاهر،

(1) سورة الأحزاب - آية 57 - 58

(2) الصارم المسلول - 2/ 86

(3) الصارم المسلول - 2/ 526 - 527

(4) صحيح البخاري - 1؟ 27

(5) سورة التوية - آية 61 - 63

(6) الصارم المسلول - 2/ 58

(7) الصارم المسلول - 2/ 58

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام