كلَّ مَن تَنَقَّصَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاداً أو هازلاً فقد كفر" [1] ، و (منها) أن السب هو الكفر الظاهر الموافق للكفر الباطن، حيث قال تعالى إنه مُخرجٌ ما يخفيه المنافقون في قلوبهم من الكفر، وكان هذا الإخراج بفضيحتهم وإعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستهزاء الحاصل منهم تجاه الله وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن الاستهزاء - والسب منه - هو من أعمال وأقوال الكفر الظاهر التي تحكي الكفر الباطن، و (منها) الحكم بالعذاب على المستهزئ وهذا يشمل العقوبات الشرعية بالقتل في الدنيا وعقوبة الآخرة في نار جهنم و (منها) أن الآية وصفت الاستهزاء بالجريمة وسب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أو أشد، قال ابن جرير الطبري رحمه الله:"وأما قوله (بأنهم كانوا مجرمين) فإن معناه: نعذب طائفة منهم باكتسابهم الجرم، وهو الكفر بالله وطعنهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم" [2] ، قلت: وهذا صريح في أن الاستهزاء كفر وأولى منه سب الرسول صلى الله عليه وسلم."
6.قوله تعالى:"لئن لم ينتهِ المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنُغريَنَّك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً. ملعونين أينما ثُقفوا أُخذوا وقُتِّلوا تقتيلاً" [3] ، هذه الآية بيَّنت أن المنافقين الذين في قلوبهم مرض يُخفونه وهو الطعن في دين الله والاستهزاء بآياته وبرسوله صلى الله عليه وسلم كما تقدم مستحقون للعن، بل هم إن اللعن وصفٌ ثابتٌ عليهم، ثم بيَّنت هذه الآية ما يترتب على هذا اللعن من التقتيل وهي صيغة مبالغة من القتل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سياق الكلام على قوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) [4] :"أنه ذكر أنه لعنهم في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً، واللعن: الإبعاد عن الرحمة، ومَن طََرَدَه عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافراً، فإن المؤمن يقرُب إليها بعض الأوقات ولا يكون مباح الدم، لأن حقن الدم رحمةٌ عظيمة من الله، فلا يثبت في حقه، ويؤيد ذلك قوله:"لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً. ملعونين أينما ثُقفوا أُخذوا وقُتّلوا تقتيلاً"، فإنَّ أخْذهم وتقتيلهم والله أعلم بيانٌ لصفة لعنهم، وذُكِر لحكمةٍ - فلا موضع له من الإعراب وليس بحالٍ ثانية- لأنهم إذا جاوروه ملعونين ولم يظهر أثر لعنهم في الدنيا لم يكن في ذلك وعيدٌ لهم، بل تلك اللعنة ثابتةٌ قبل هذا الوعيد وبعده، فلابد أن يكون هذا الأخذ والتقتيل من آثار اللعنة التي وُعدوها، فثبت في حق من لعنه الله في الدنيا والآخرة" [5] ، قلت: وهذا كما قدمنا غاية العدل لأن المنافق الذي أبطن الكفر وأظهر الإسلام عومل وفق ذلك فحُقن دمه في الدنيا بما أظهره من الإسلام وعُذب في نار حهنم خالداً فيها يوم القيامة بما أبطن من الكفر، أما إذا تسرب إلينا من باطن كفره ما ظهر لنا به كفره قولاً كان كالسب والشتم أو فعلاً كالإرجاف والتخذيل والدلالة على عورات المسلمين رجع حكمه في الدنيا إلى الأصل وعومل معاملة الكافر الحربي المعادي لله ورسوله المحاد لهما والمشاق لهما فأُخِذ وقُتل جزاءً وفاقاً، وبهذا يتبين أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم ينقض الإيمان والأمان ويوجب القتل واللعن على هؤلاء المجرمين، وهو المطلوب.
7.قوله تعالى:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلِّموا تسليماً" [6] ، ووجه الدلالة من هذه الآية هو أيضاً من قياس الأولى حيث بينت الآية
(1) الصارم المسلول - 2/ 70
(2) تفسير الطبري - 10/ 174
(3) سورة الأحزاب - آية 60 - 61
(4) سورة الأحزاب - آية 57
(5) الصارم المسلول - 2/ 87 - 88
(6) سورة النساء - آية 65