أرأيت إن كان المريض يستطيع الكلام ولم يثقل لسانه كما في هذه الحالة التي يتصورها الجفري , أليس من الطبيعي أن يستجيب لمن حوله فينطق بالشهادة؟ أم سيعتبره الجفري مُرائياً أيضاً؟
وعندما يروي الصوفيّة قصص شيوخهم عند الموت وأنّهم تلفّظوا بالشهادة قبل الموت فهل يقصدون أنّ شيوخهم ماتوا على رياء؟
إنّ الحديث عن الرياء عند سكرات الموت حديثُ ليس في موضعه , بل هو بعيد كلَّ البعد عن روح الدين الإسلامي , فالمؤمن عند النزع الأخير يكون مقبلاً على الله مدبراً عن الدنيا فلا مجال للرياء هنا.
وهل يريد الجفري أن يفهم الناس أن سبعين عالماً أضلّهم إبليس وجعلهم يموتون وهم على شرك (1) كل ذلك لأنّهم أشاروا بسبابتهم عند الموت دلالة على التوحيد؟!
إنّ أمثال هذه القصص إن صدّقها العوام ستكون نتيجتها امتناعهم عن النطق بالشهادتين عند الاحتضار وذلك خشية الرّياء!!
فهل هذا ما يريده الجفري؟ لا أظنه يريده , ولكنه سيكون متسبباً بذلك لروايته أمال هذه القصص التي لا تصحّ سنداً ولا معنى.
إننا لو عكسنا الأمر وقلنا للناس إذا وسوس لكم الشيطان عند الموت أن تخفوا الشهادة لكي لا تقعوا في الرياء , فاستعيدوا بالله منه واجهروا بها فإن لم تستطيعوا فارفعوا السبابة ولخسأ عدو الله.
فأيَُ منهج هذا الذي يدعوا إليه الجفري؟ ولماذا يكون دائماً مخالفاً لمنهج النبوي؟!
أكتفي بهذا القدر من الملاحظات التي شملت الأخطاء العقيديّة (2) والفقهية والحديثية والتاريخية والسُّلوكية في كتاب الشيخ الجفري.
(1) الرّياء: عمل المسلم الطاعة ليراه الناس فيثنوا عليه , وليس ابتغاء وجه الله , ولذلك سمّاه العلماء شركاً وفيه أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(2) عند النسب إلى (فعيلة) يجوز إبقاء اللفظ على حاله , وثمّة وجوه أخرى صحيحة , نحو: طبيعة: طبيعي وطبعي _ بديهة: بديهي وبدهي _ عقيدة: عقيدي وعقدي.