والجفري حصر الأمر بالإجازات الخاصّة بالقراءات السبع أو العشر , لأنّه يعلم أنّ أسانيد القرآن غير منحصة وغير مدوّنه , والمدوّن منها والمسلسل إنّما هو خاص ببعض قرّاء القراءات! فلقد قال الإمام ابن الجزري: (( وهذا كان شأنهم على تعيين هؤلاء القرّاء ليس بلازم , ولو عُيّين غير هولاء لجاز , وتعيينهم إما لكونهم تصدَّوا للإقراء أكثر من غيرهم , أو لأنهم شيوخ المعّين كما تقدّم , ومن ثم كره من كره من السَّلف أن تُنْسب القراءة إلى أحد , روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخعي قال:(كانوا يكرهون سند فلان وقراءة فلان!) . انتهى (1)
فتلاوة القرآن وحسن أدائه ليس لها أي علاقة بحفظه من التبديل أو التّغيير , والأسانيد التي يتكلّم عنها الجفري إنّما هي أسانيد المشيخة المعتنية بالأداء وصوره ووجوهه! وأمّا حفظ القرآن فقد تكفّل به الله - عز وجل - وسخَّر له علماء الأمّة وفقهاءها للدفاع عنه.
وقد روى الإمام ابن الجزري في كتابه (المنجد) جواب سيخه إمام الأئمّة أبي المعالي عن سؤاله عن هذا الموضوع فقال: (( انحصارُ الأسانيد في طائفة لا يمنع مجيء القرآن عن غيرهم , فلقد كان يتلقّاه أهل كلّ بلدٍ بقراءة إمامهم الجمّ الغفير عن مثلهم , وكذلك دائماً فالتواتر حاصلُ بهم , ولكنّ الأئمّة الذين تصدّوا لضبط الحروف وحفظوا شيوخهم منها , جاء السّندُ من جهتهم , وهذه كالأخبار الواردة في حجّة الوداع ونحوها , هي آحاد , ولم تزل حجّة الوداع منقولة عمّن يحصل بهم التواتر عن مثلهم في كل عصر فهذه كذلك ) )وقال: (( هذا موضعُ ينبغي التنبّه له ) )انتهى , والله أعلم (2)
(1) منجد المقرئين لابن الجزري (ص 111) بتحقيق الشيخ عبدالحليم قابة , والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 144) بدون قوله سند فلان.
(2) منجد المقرئين (ص 114) .