فهرس الكتاب
الصفحة 59 من 83

بالدليل والعلامة حيث استدل ابن عتيك على أبي رافع بصوته، واعتمد على صوت الناعي بموته والله أعلم" [1] . قال ابن تيمية رحمه الله:"فقد تبين من هذه القصة أنما تسرى المسلمون بقتله بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، بسبب أذاه للنبي صلى الله عليه وسلم ومعاداته له، وأنه كان نظير ابن الأشرف وقد تقدمت قصته، لكن ابن الأشرف كان معاهداً فآذى اللهَ ورسولهَ فندب المسلمين إلى قتله، وهذا لم يكن معاهداً. فهذه الأحاديث كلها تدل على أن من كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذيه من الكفار، فإنه كان يقصد قتلَه ويحض عليه لأجل ذلك، وكذلك أصحابه يفعلون ذلك بأمره، مع كفِّه عن غيره من الكفار ممن هو على مثل حاله في أنه كافرٌ غير معاهد، بل مع أمانه لأولئك الكفار غير السابين ولا الشاتمين أو إحسانه إليهم من غير عهدٍ بينه وبينهم" [2] ، قلت: أي أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار حتى الحربيين منهم غير المؤذين باللسان والسب والشتم والتحريض كانت سيرة معاملة بإحسان ولو لم يكن بينه وبينهم عهد، فعُلم أن معاملة القتل وإرسال السرايا وراء أمثال أبي رافع إنما كان لمعنى زائد عن الكفر وهو أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المطلوب."

9.قصة قتل أبي عفك اليهودي: روى ابن سعد رحمه الله في طبقاته:"ثم سرية سالم بن عمير العمري إلى أبي عفك اليهودي في شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكان أبو عفك من بني عمرو بن عوف شيخاً كبيراً قد بلغ عشرين ومائة سنة، وكان يهودياً وكان يحرِّض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول الشعر. فقال سالم بن عمير - وهو أحد البكائين وقد شهد بدراً: عليَّ نذرٌ أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه، فأمهل يطلب له غرة، حتى كانت ليلة صائفة، فنام أبو عفك بالفناء وعلم به سالم بن عمير، فأقبل فوضع السيف على كبده ثم اعتمد عليه حتى خش في الفراش، وصاح عدو الله فثاب إليه ناس ممن هم على قوله، فأدخلوه منزله وقبروه" [3] ، فهذا آخرٌ ممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر والهجاء ويحرض عليه، قد نذر أحد الصحابة قتله وفعل ذلك من غير نكير من الله سبحانه وتعالى [4] ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل على أن شاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إيمان له ولا أمان وإنما له السيف يقتل مهدور الدم كما تقتل البهائم، بل إن البهائم فيها ضمان القيمة على من أتلفها وليس على قاتل مثل هذا المجرم شيء، فتأمل.

10.عن أنسٍ أن رجلاً كان يُتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي:"اذهب فاضرب عنقه. فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها، فقال له علي: اخرج، فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوبٌ ليس له ذَكَر، فكفَّ علي عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنه لمجبوبٌ ما له ذَكَر" [5] ، قال أبو محمد ابن حزم الظاهري رحمه الله:"هذا خبرٌ صحيح، وفيه أن من آذى النبي صلى الله عليه وسلم وجبَ قتلُه، وإن كان لو فعل ذلك برجلٍ من المسلمين لم يجب بذلك قتله" [6] . وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعملون بهذا التحريم، كما قال ابن تيمية رحمه الله:"ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج قيلة بنت قيس بن معدي كرب أخت الأشعث ومات قبل أن يدخل بها وقبل أن تقدم عليه، وقيل أنه خيرها بين أن"

(1) فتح الباري - 7/ 345 بتصرف

(2) الصارم المسلول - 2/ 295 - 296 بتصرف يسير

(3) الطبقات الكبرى - ابن سعد - 2/ 28

(4) هذا على فرض أن نذره لم يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الله تعالى يعلمه فلما سكت الوحي عن نذره وعن فعله كان إقراراً عليه، وهذا المسلك خاص بالصحابة زمن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل انقطاع الوحي كما لا يخفى.

(5) صحيح مسلم - 4/ 2139،وأم الولد: السرية توطأ وتلد لسيدها، والركي: البئر، والمجبوب: من ليس له ذَكَر

(6) المحلى - ابن حزم - 11/ 413

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام