فهرس الكتاب
الصفحة 40 من 83

قتلهم كالنساء والرهبان ومَن في حكمهم إلا أن يقاتلوا، وأحكام هذا كله مبسوطة في كتب الفقه والسياسة الشرعية فليرجع إليه.

ويمكننا أن نقسم الناس اليوم بخصوص ما يتعلق بمسألة سب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قسمين اثنين فقط هما: مسلم وكافر، بغض النظر عن وضع الكافر من حيث الأقسام المذكورة آنفاً، لأن أقوى هذه الأقسام عهداً وتوثيقاً وأماناً - أعني أهل عقد الذمة - غير موجودين اليوم على الصفة الشرعية المذكورة، فكل ما سوى ذلك من أقسام الكفار أقل درجةً من حيث عصمة الدم والأمان، وكل ما تكلم فيه الفقهاء قديماً عن انتقاض عهد أهل الذمة وترتُّب عقوبة جريمة سب الرسول صلى الله عليه وسلم على الساب منهم يقع على غير أهل الذمة من الكفار بطريق الأولى على تفصيل نبينه إن شاء الله تعالى.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:"اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبَّهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، والعيب له، فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم السابِّ؛ يُقتل على ما نبينه، ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد، ولا نمتري فيه تصريحاً كان أو تلويحاً. وكذلك مَن لعنه أو دعا عليه، أو تمنى له مضرة، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسُخفٍ من الكلام وهُجر، ومنكر من القول وزور، أو عيَّره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه، وهذا كله إجماعٌ من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا" [1]

رحم الله القاضي عياض، وجعل كل حرف من هذه الأحرف وكل مَن عمل بها من بعده إلى يوم القيامة في ميزان حسناته، وهكذا فليكن انتصار العلماء الربانيين للنبي صلى الله عليه وسلم أو لا يكونوا، فالأمة بغنى عن عالم متعالم لا يزمجر بمثل هذه الكلمات في أرجاء الكون حتى ترتعد فئران الكفر والضلال وتموت كمداً في جحورها أو دهساً تحت أقدام الموحدين، رحم الله القاضي عياض رحمةً واسعة ينور بها قبره ويعلي بها قدره بين العلماء العاملين.

وإن كلامنا في هذا المبحث يتعلق بما يلي:

1.بيان الأدلة الشرعية المتضافرة على انتقاض إيمان وأمان ساب النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب قتله.

2.بيان الأدلة على تعيُّن قتل الساب وعدم صلاح أية عقوبة أُخرى معه

3.بيان الأدلة على عدم استتابة ساب النبي صلى الله عليه وسلم وبيان حكمه إن تاب.

واعلم أن استطرادنا في عرض الأدلة ليس لترددٍ في صدورنا أو اختلاجٍ تجاه حكم الله تعالى في هؤلاء، فإن الفطرة السليمة لا تقبل لهذا المجرم عقوبةً دون القتل، ولكننا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم لا نصدر عن انفعالاتنا ولا عن عقولنا بل نصدر

(1) الشفا - 2/ 428

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام