أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قومٌ لا يعلمون" [1] فإن أسلموا فبها، وإن لم يسلموا بُلِّغوا مأمنهم بعد قضاء الغاية من زيارتهم لبلد الإسلام، ولا تضرب عليهم الجزية ولا يقتلوا، فإذا عاد إلى دار الحرب عاد حكمه حربياً."
4.أهل الحرب: هم كل الكفار ما عدا الأصناف المذكورة، وهم الذين قال الله تعالى فيهم:"كيف يكون للمشركين عهدٌ عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام" [2] ، فأهل الكفر في الأصل محاربون، فإن عقد المسلمون معهم صلحاً كانوا أهل هدنة، وإن عقدوا معهم الجزية كانوا أهل ذمة، وإن دخلوا مستأمنين كانوا أهل أمان، والله تعالى أعلم. [3]
ثم إن أهل الذمة قد عاهدوا المسلمين على الامتناع عن أمور إن هم تعاطوها نقضوا العهد وترتبت على نقض العهد أحكام شرعية وعقوبات شرعية بحسب هذا الناقض، وهذا كله مبسوط في مظانه [4] ، وأذكر في هذا المقام بعض ما ورد في الشروط العمرية التي صالح عليها المسلمون نصارى الشام وشرط النصارى على أنفسهم في مقابل الذمة والصلح شروطاً وفيها:"ولا نُظهر شركاً، ولا نُرغِّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً" [5] ، فكتب الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المسلمين:"أن أمضِ لهم ما سألوا وألحِق فيهم حرفين أشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: ألا يشتروا من سبايانا، ومن ضرب مسلماً فقد خلع عهده" [6] ، فتأمل جيداً هذه الشروط:
1.أن لا نُظهر شركاً: فلا يجوز لهم أن يعلنوا ويظهروا على الملأ شعائر دينهم الشركية كإظهار الصليب أو التحديث ببنوة عيسى لله تعالى سبحانه وتعالى عما يشركون، ونحو ذلك مما فيه أذى لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا قد أُقروا عليه فيما بينهم في مقابل دفع الجزية وجريان حكم الله ورسوله عليهم.
2.ولا نرغِّب في ديننا: فلا يدعون أحداً إلى دينهم الباطل لأن هذه الدعوة معناها تفضيل دينهم على دين الإسلام وهو مخالف لما عاهدناهم عليه من خضوعهم لحكم الإسلام.
3.ومن ضرب مسلماً فقد خلع عهده: فإذا كانت هذه هي حرمة المسلم فحرمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من باب أولى.
فإذا تأملت هذه الشروط وجدت أنها تدل بقياس الأَولى على حرمة ومنع التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسب والإساءة والشتم والتعريض، فلا يخفى ولا يحتاج إلى تقريرٍ صريح أن وقوع مثل هذا ناقض للعهد مع ما يستجره من عقوبة على ما نبين لاحقاً. وإنما كان التفصيل في هذه الأصناف محتاجاً إليه في موضوع هذا الكتاب لما كان من وجود أهل الذمة في أرجاء الدولة الإسلامية مع ما لهم وعليهم من حقوق وواجبات، وما يحتاج لمعرفته من أحكام الشريعة الجارية عليهم فيما يقع منهم من إخلال بالعهد أو اقتراف جناية كزنى وقتل وحرابة أو سب للدين ولله عز وجل وللرسول صلى الله عليه وسلم، وأما أحكام المستأمنين فإن عهدهم أقل توثيقاً من عهد أهل الذمة فنقضه بمثل سب رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب أولى، وأما المحارب فلا عصمة لدمه أصلاً والمقاتلةُ منهم يُخيَّر الإمام فيهم بين القتل والرق والفداء والمن، أما غير المقاتلة فلا يجوز
(1) سورة التوبة - آية 6
(2) سورة التوبة - آية 7
(3) راجع غير مأمور أحكام أهل الذمة - 1/ 335 - 336
(4) ومن أنفس ما كُتب في هذا كتاب (أحكام أهل الذمة) للحافظ ابن قيم الجوزية رحمه اله برحمته الواسعة.
(5) أحكام أهل الذمة - 2/ 113
(6) أحكام أهل الذمة - 2/ 113